الرأي

العملة الزائفة

مرزوق تنباك
ليست العملة الزائفة هي التي تطرد الصحيحة من السوق، بل كل زائف من أمور الناس وأعمالهم إذا ترك له المجال ومشروعية الاستقبال طرد الصحيح وأبطله، ولا أخطر من الزائف في العلم والمعرفة وادعاء ذلك، إذ إن الزائف في العملة يضر أشخاصا أو حتى بلدا وينتهي العمل بالعملة الزائفة في وقت محدد، وأما الزائف في المعرفة والعلم فيعيش ويتمدد وتتسع دائرته ويصعب كشفه وقد يخفى زيفه على الناس طويلا وتنقله الأجيال وتعمل به.

ومما ابتلي به عالمنا العربي والإسلامي هو اختراق قيم الغرب ومعارفه، ونجاح فئة منهم بصناعة التقليد والتزييف لتلك القيم المعرفية والعلمية، ومنها الشهادات الأكاديمية، ومن ذلك التزييف والاختراق دعوى الحصول على شهادات وهمية وزعم من حصلوا عليها أنهم تخرجوا في جامعات غربية لها اسمها وسمعتها وتقاليدها العلمية، وقد كان أوائل أولئك المحتالين قلة فسهل كشفهم وفضح زيفهم. ثم لم يلبث الباحثون عن المال والقادرون على الخداع حتى أسسوا أسماء جامعات ومراكز بحوث وهمية لا وجود لها إلا في الورقات التي يحملها الباحثون عن الألقاب الرنانة التي تسبق أسماءهم، مقابل حفنة من الدراهم حين يتيسر لهم دفعها إلى من يبحث عنها ولو كانت بالأوهام.

تصدى لهذا الزيف رجل واحد فيما أعرف هو الدكتور موافق الرويلي، ولا أدري كم يبذل هذا الرجل من الوقت وكم ينال من الأذى ممن فقد الأمانة والحياء، لكن الذي يعرف الناس أنه تصدى لعمل لا تقوم به إلا مؤسسات علمية وطاقات بشرية حتى أصبح وسم «هلكوني» الذي اخترعه مرعبا لهؤلاء الزائفين وشهاداتهم الزائفة.

ومع هذا فقد أصبح بعضهم يتصدر المؤتمرات ويلقي المحاضرات في بعض الجامعات التي خفي عليها شأنهم، وسأنقل ثلاث شهادات لأساتذة أكاديميين ومثقفين وأكتفي بذلك:

الشهادة الأولى للدكتور موافق الرويلي:

«صعقت عندما ما اكتشفت أن الورقة الأولى في مؤتمر العمل الخيري الذي عقد في جامعة أم القرى للمتدكتر من جامعة أريس الوهمية عيسى صوفان القدومي، يبدو أن بلدنا خالية من المهتمين بهذا الجانب لذا استقطبت القدومي ليعلمنا».

الشهادة الثانية للأستاذ خالد عباس طاشكندي:

«مصيبة شخص يحمل درجة علمية وهمية يقدم ورقة عمل ويلقي محاضرة في إحدى جامعاتنا، المفترض أنه يقع على عاتق الجهة المستضيفة مسؤولية التحقق من الأهلية الأكاديمية للمشاركين ويجب عدم السماح له في المشاركة».

الشهادة الثالثة للدكتور إبراهيم البعيز:

«من هنا تأتي أهمية وضرورة إنشاء قاعدة بيانات على موقع وزارة التعليم بالجامعات الوهمية، ليسترشد بها المنظمون لكل الفعاليات من مؤتمرات وندوات ومحاضرات..إلخ، ويكون معيار المشاركة وقبل النظر في إمكانية قبول الورقة أن لا تكون أي من شهاداته المعلنة وغير المعلنة من فئة هلكوني».

هذه شهادات ثلاث لرجال مهتمين بالشأن العلمي العام، والمهم في هذه الشهادات هو الحل الذي اقترحه الأستاذ الدكتور إبراهيم البعيز، وهو أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود، ولا غرابة أن يكون اقتراحه عمليا فهو صاحب تجربة ومعرفة وخبرة أكاديمية ورأيه الذي أوصى به هو ما قد يساعد الجامعات المحلية على تجنب الوقوع في حبائل حملة الشهادات الوهمية والجامعات الوهمية التي يزعمون أنهم تخرجوا فيها ويحملون شهاداتها، وقد لا يعرفها المختصون حتى في الجامعات المحلية ولا يتم طرد حملة العملة الزائفة إلا حين تعمد الجهات المسؤولة إلى تأسيس قاعدة بيانات موثوقة وموثقة تحصي أسماء الجامعات الوهمية وتعرفها وتبين أماكنها والقائمين عليها، حتى يكون لدى المسؤولين في التعليم معرفة تنفي الجهل والغرر، ولا أجدر وأهم من أن يستعان بصاحب (هلكوني) إذا رأت الجهات المسؤولة الأخذ باقتراح الدكتور إبراهيم البعيز، فالدكتور الرويلي ابن بجدتها علما وتجربة. والله المستعان ومنه الرحمة والغفران.

Mtenback@