الرأي

تويتر.. قبة النابغة أم حراج للخردة؟

عبدالله الأعرج
يحكى أن العرب في جاهليتها كان لديها (تويتر) ثقافي وشعري، قوامه قبة من جلد أحمر تنصب في أوائل ذي القعدة للنابغة الذبياني - ذلك الشاعر المهيب، فيعرض عليه الشعراء والأدباء شعرهم فيحكم بينهم ويقيم غث نظمهم من سمينه!

هكذا كانت العرب، وهكذا كان موقع النابغة في سوق عكاظ أشبه بـ «مراقب محتوى» أو ما يسمى في المنتديات الحديثة على شبكة الانترنت moderator يفلتر النتاج الفكري للمتحدث ويزن أبعاده ويوازن مفرداته قبل أن يعطيه فسحا، ليخرج على العامة والخاصة في أبهى صورة وأجمل شكل!

وها هو تويتر الألفية الجديدة يعاود الظهور مع غياب تام للنابغة الذبياني ليحل محله 330 مليون نابغة ذبياني، يمثل كل واحد منهم نفسه في الحكم على المحتوى وإجازته من خلال التغريد بما يشاء أو من خلال التفضيل باللايكات likes أو إعادة التغريد retweets لما يقع عليه نظره ويستذوقه عقله وقلبه!

وفي خضم هذا السيل الجارف من مساحة الحرية التي تعرض في سوق يقدر مشاهدوه بـ 1.3 مليار نسمة، تحول تويتر أحيانا إلى ما يشبه حراج الخردة، مما يستدعي كثيرا من الاعتبارات التي لا يمكن أن تتجاهلها المجتمعات الدولية ولا السلطات المحلية، ولا سيما أن هذا العصفور الأزرق الصغير أصبح يغرد مجازا في كل بقعة من بقاع الأرض، فيطرب أقواما ويبكي آخرين، وينشر علما ويعيث فسادا في الوقت نفسه!

ولأنني كغيري من التويتريين الذين يصدحون في هذا الفضاء الواسع، فإنني سآتيكم منه بخبر يقين، فقد لاحظت كما لاحظ الباقون أن فضاء تويتر بات مساحة لتشكيل الفكر وجذب الانتباه وتوجيه البوصلة الثقافية باتجاهات محددة، بل إنه تعدى ذلك إلى اختلاق الأخبار وتأليف الحوادث ونشر الإشاعات، وإذكاء القيم وروح العلم مرة وخلق التفاهات مرات!

ولأنني ألتزم مع نفسي بالتغريد المفيد فيما يحلو لي من جوانب الحياة المختلفة، علميا وتربويا واجتماعيا وفنيا وثقافيا، فقد بدا لي من المناسب أن أوصي زملائي المغردين ببعض الأمور لنستمر أنا وهم في الشدو بهذه اللحون الجميلة، بعيدا عن النشاز الذي يطالعنا به بعض المغردين، والذي يأتي على مقامات عدة، فهناك من يغرد ضد الأوطان مظهرا ثوب النصيحة ورداء الشفقة، فاحذروا منه فإن للأوطان وقياداتها في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق، وهناك من يروج الإشاعات وينشر الأخبار المختلقة ويثير الرعب، فيتحول من بلبل وديع إلى ناشر بلابل مريع فاحذروه، وهناك من يروق له نشر الرذيلة وطمس الفضيلة فاحذروه، وإياكم ومن ينشر التفاهات ويذكي روح العنصرية والقومية والطائفية والمناطقية، فهم أبعد ما يكونون عن مصطلح التغريد، بل هم قطعا الشيطان المريد!

وقبل أن أعاود التحليق إلى فضائي مجددا، فإني أريد التأكيد أن هذا الفضاء التويتري وإن كان رحبا وربما عشوائيا في سمائه إلا أنه سيصبح أكثر رحابة حين يظهر نضج مستخدميه، بألا يتابعوا الوهميين ولا يوسعوا قاعدة التافهين، ولا يستحسنوا نعيق المغرضين، وأن يجعلوا منه أداة خير ومنطلق فكر نير ووسيلة للتلاحم والتعاضد لخير الإنسان ونماء الأوطان في كل مكان وعبر كل الأزمان.