الرأي

حول بغداد وبيروت والرياض

عبدالله العولقي
لا تزال أحداث بغداد وبيروت تتسيد المشهد السياسي العربي، وكثير من المراقبين والمحللين يرون أن ثمة روابط عديدة بين المشهدين، بينما البعض الآخر لا يرى أي رابطة تجمعهما سوى مظاهر وشعارات الاحتجاج.

يبدو أن صورة عربة التكتك في بغداد قد رصدت لوحة فنية من التلاحم الشعبي في العراق، ذابت فيها كل معاني التعاضد الوطني، هكذا بدت الصورة العراقية في ساحات بغداد ومدن الجنوب العراقي عندما أسفرت عن عودة الثقة الطائفية بين أبنائها رغما عن الاستخبارات الإيرانية، وهكذا صمدت المرجعية الشيعية التقليدية بقيادة السيستاني وأثبتت وطنيتها أمام المشروع الصفوي الطائفي.

إن أجمل ما أثلج صدورنا كعرب هو مظهر العروبة الأصيلة وهي تحيا وتتألق في نفوس الطلائع الناشئة، لكن الأجمل والأروع في المشهد العراقي هو تلاحم الطائفتين السنة والشيعة، وعودة العلاقة الطبيعية بين المجتمع العراقي بعد أن فتكت بها الفتنة الإيرانية منذ سقوط بغداد التاريخي في 2003.

لا شك أن النظام في طهران يختنق بعد الحصار الأمريكي، وهذا ما نرصده أيضا مع وكلائه في العراق وبيروت وصنعاء، ولكن ثمة تحركات أوروبية مريبة تقودها باريس لإنقاذ طهران، أو بالأصح هي تسعى إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فهل الرئيس ماكرون يجهل أو ربما يتجاهل أن الأيديولوجيا العقيمة مصيرها إلى الانهيار القسري تماما كما انقرضت الشيوعية والفاشية والنازية في قارته العجوز!

إن الكل قد لاحظ أمارات القلق والرعب على حسن نصر الله وهو يزمجر ويتوعد الشباب اللبناني بالقتل والسحل، فعقليته الرجعية تريد لبنان دولة مهترئة ذليلة، مجرد أداة رخيصة بيد الحرس الثوري الإيراني، ولا يخجل أن يبدي استعداده لحرق لبنان بأكمله إرضاء للمرشد الإيراني في طهران، فهل بعد هذا سبب ليخرج اللبنانيون إلى شوارعهم محتجين؟

أخيرا، لا شك أن رابط العلاقة في المشهد العراقي واللبناني يختزل في طرد وإبعاد طهران عن صناعة القرار السيادي العربي، فالاحتجاجات العربية تعبر عن ملل الشارع من الأيديولوجيا المنظرة، فالشعوب تؤمن دائما بالواقع، وهي تتأمل واقع الشعوب المستقرة، أي التي ترفض التبعية للخارج، فالعراقيون واللبنانيون يريدون خطة تنموية تنتشلهم من الانهيار الاقتصادي إلى آفاق رحبة من التنمية تليق بتاريخ بغداد وبيروت، هذا ما تريده الشعوب العربية باختصار، تماما مثلما أبدع وتألق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الرؤية الوطنية للمملكة 2030، هذا بالضبط ما يريده الشباب العربي في أوطانهم، يتمنون موسما ترفيهيا ضخما مثل موسم الرياض، ولا يريدون جعجعة حسن نصر الله ولا شعارات الحشد الشعبي، هم يريدون لبغداد وبيروت أن تعودا لسابق عهدهما من النضارة والتألق والإبداع، وهذا لن يحصل إلا إذا عادت السيادة الوطنية العربية.

@albakry1814