الرأي

أرامكو وبقالة صديقي!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
لأني أكتب مقالا يوميا في صحيفة غراء فإن البعض يسألني عن كل أمر يحدث على هذا الكوكب، والحقيقة أن السائل معذور لأننا معاشر الكتاب اليوميين نعطي للقارئ هذا الانطباع الزائف، فنحن نتحدث عن كل شيء وفي كل شيء. ضغط الكتابة اليومية يجعل الكاتب يميل إلى أن يكون مفتيا في كل شؤون الحياة، فتجده يتحدث دون تردد عن الانتخابات والمرشحين في السلفادور، وعن ضربة جزاء لم تحتسب في الدوري الهندوراسي، ولا يجد حرجا في تسفيه المتقدمين والمتأخرين من علماء الأرض الذين لا يعرف عنهم أي معلومة أكثر من تلك الموجودة في هوياتهم الشخصية، يصارع الأموات والأحياء الذين قرأ عنهم ومن لم يقرأ لهم حرفا واحدا غير تلك التي جادت بها مواقع التواصل. ولا يجد غضاضة في الكلام عن الأدب والفلسفة وشتى العلوم والمعارف التي يمكن أن يعرفها أو يسمع عنها الإنسان والجان.

سألني البعض عن رأيي في موضوع طرح جزء من أسهم أرامكو للاكتتاب العام في السوق السعودي، ولا أخفيكم أني قاومت كثيرا الرغبة في الإفتاء، خاصة أن مبلغ علمي من الأسهم لا يتعدى خبرتي التي لا يستهان بها في شراء أسهم بأسعار مرتفعة وبيعها بأسعار متدنية. لكن الرغبة في الإفتاء كانت أقوى من كل محاولاتي، فطفقت أحدث السائلين عن فوائد الاكتتاب وعن قوة الشركة ومكانتها وأرباحها، وأن السؤال الذي يجب أن يطرح ليس «لماذا تطرح أرامكو أسهمها للاكتتاب العام؟»، ولكن السؤال ـ إن كان لا بد من سؤال ـ هو لماذا لم تطرح أصلا للاكتتاب كبقية الشركات الوطنية الأخرى حتى الآن؟ ولماذا تأخر الأمر كل هذا السنوات؟

أبسط فوائد هذا الاكتتاب أن قوائم الشركة المالية ستكون معلنة، لأنه من حق الناس الذين يعيشون مع أرامكو في هذا الوطن أن يعرفوا كم كان دخلها وفيم وكيف أنفقته؟

صحيح أني لا أعلم ماذا سأستفيد حين أعرف دخل أرامكو ولكن القضية لا تتعلق بالفائدة فقط، بل بشغف المعرفة وحب الاستطلاع الذي يولد مع الإنسان ويعيش معه ويموت معه أيضا. ربما سأشعر بالسعادة حين أعرف رقما لم أكن أتوقع أني سأعرفه يوما ما، والسعادة فائدة في حد ذاتها، بل إنها غاية كل الفوائد.

وعلى أي حال..

لدي أصدقاء وفقهم الله لهم باع طويل في التجارة، فأحدهم كان مسؤولا عن المقصف في إحدى المدارس وتسبب في إفلاسه، والآخر لديه بقالة لا يشتري منها إلا هو وبعض إخوته، وقد لمحوا إلى أن طرح أرامكو للاكتتاب قد يكون له عواقب اقتصادية سيئة، ومع أني أثق في خبراتهم الاقتصادية العريضة، إلا أني أثق في أرامكو أكثر منهم مع أنها ليست صديقتي، ولكنها الشركة الأكبر في الكوكب، ولديها من الكفاءات والخبرات والقدرات والنجاحات ما يكفي لجعل الأمر مطمئنا لأمثالي الذين لا يفهمون في الاقتصاد كثيرا ـ ولا قليلا.

agrni@