العالم

إردوغان يفجر أزمة بين أمريكا وفرنسا

مركز مارشال الألماني: الانسحاب الأمريكي سيضع باريس في اختبار قوي ماكرون يعيد النظر في تعاونه مع الولايات المتحدة ويعترف بتأثير روسيا القوي

تسبب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أزمة خفية كبيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وأدى الهجوم الذي قام به على شمال سوريا إلى حالة قلق كبيرة لدى فرنسا، التي ترى أن زعزعة استقرار المناطق التي يسيطر عليها الأكراد وتحرير المقاتلين الأجانب يعد تهديدا أمنيا مباشرا لها.

وأربك الموقف الأمريكي غير الواضح الحكومة الفرنسية، حيث بدا الرئيس دونالد ترمب وكأنه أعطى إردوغان رسالة واضحة، ثم ما لبث أن أعلن انسحاب الجيش الأمريكي ليفسح المجال للأتراك للتوغل، قبل أن يعود من جديد ويهاجم تركيا ويصدر عقوبات ضدها.

وبحسب تقرير مركز مارشال الألماني، يعد الأمر مقلقا لفرنسا بشكل خاص، لأن مشاركتها العسكرية في التحالف ضد داعش تعتمد على الولايات المتحدة، وسيؤثر انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بشكل مباشر على قدرتها على البقاء هناك.

وجاءت آخر التطورات بالعجز الفرنسي والأوروبي عن التصرف بشكل مستقل في هذا الوقت الحرج، مما يزيد من نفوذ روسيا في بلاد الشام، ويزيد من الضغط على أمن أوروبا ويضعف موقف فرنسا حيث يهدف الرئيس إيمانويل ماكرون إلى مراجعة علاقة بلاده مع موسكو.

عجز فرنسي أوروبي

التحولات المتناقضة في سياسة إدارة ترمب في غضون أسبوع واحد تتبع نمطا مألوفا الآن، فقد واجهت فرنسا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين قرارا أحاديا اتخذه الرئيس وأعقبه سريعا تعديلات من جانب إدارته والضغط على الدول الأوروبية لتتماشى مع نهج واشنطن.

وفي الأسبوع الماضي أكد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير لنظيره الفرنسي فلورنس بارلي، أن الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا لم يكن موضع تساؤل، وأن العمل الأمريكي المنجز كجزء من التحالف ضد داعش سيستمر، وبعد ذلك ببضعة أيام، أعلن أنه «بتوجيه من الرئيس، ستقوم وزارة الدفاع بتنفيذ انسحاب متعمد للأفراد العسكريين الأمريكيين من شمال شرق سوريا»، وباتت التطورات الأخيرة هي أيضا تذكير مؤلم بالعجز الفرنسي والأوروبي عن التصرف بشكل مستقل.

فجوة بين أمريكا وأوروبا

تضغط الولايات المتحدة الآن على الحكومات الأوروبية لاتخاذ تدابير دبلوماسية واقتصادية ضد تركيا، وتستخدم التهديد بفرض عقوبات خارج الحدود الإقليمية حتى تتوقف عن غزوها.

القرار الذي اتخذته فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى بوقف تصدير المعدات العسكرية إلى تركيا كان سببه خطر التعرض لمثل هذه العقوبات، ويكشف عن الفجوة بين فهم إدارة ترمب للأزمة وفهم العديد من الحكومات الأوروبية، التي تعتقد أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن السماح لإردوغان بأن يأمر بالعملية في سوريا.

ويوضح ذلك أيضا أنه مع انخفاض النفوذ السياسي لواشنطن بشكل كبير في المنطقة لصالح روسيا، تلجأ إدارة ترمب إلى فرض العقوبات كأداة رئيسية للسياسة الخارجية وتتوقع أن يتبعها الأوروبيون.

ترمب وقاعدته الانتخابية

قال وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، أخيرا إنه في علاقتها بالولايات المتحدة «يوجد لدى فرنسا محاور واحد هو ترمب».

الموقف الفرنسي هو تجاهل الفروق الدقيقة المحتملة والتأثيرات المختلفة داخل الإدارة الأمريكية، والنظر إلى أن الرئيس هو صانع القرار الحقيقي الوحيد في السياسة الخارجية.

يمكن تفسير ذلك من خلال العلاقة الشخصية التي أقامها ماكرون مع نظيره الأمريكي، ولكن أيضا من خلال دعم ترمب في برنامجه الأمريكي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

تؤكد الأحداث الأخيرة فرضية فرنسا، حيث أعطى ترمب ضوءا أخضر للتدخل التركي وسحب 1000 جندي أمريكي في شمال شرق سوريا، وتعرض لانتقادات واسعة من قبل أعضاء الكونجرس الجمهوريين، وكذلك المجتمع الاستراتيجي الأمريكي ككل، ومع ذلك، على الرغم من هذا التراجع والحل الوسط الواضح في واشنطن بشأن العقوبات التي تم التصويت عليها أخيرا ضد تركيا، فإن التغييرات في الوجود العسكري الأمريكي على أرض الواقع يتم تنفيذها.

هروب الدواعش

منذ بداية العملية التركية، كرر ترمب أن سوريا على بعد 7000 ميل، وأن العواقب الأمنية للوضع الحالي لن تؤثر على الولايات المتحدة، وذكر بيان للبيت الأبيض في 6 أكتوبر أن فرنسا وألمانيا رفضتا إعادة مقاتليهما الأجانب، وأن الولايات المتحدة لن تحتجزهم في سوريا لسنوات عديدة، وبات واضحا أن الأمر لا يشكل أولوية بالنسبة للإدارة، لا سيما بعدما أكد ترمب بأن المقاتلين الأجانب «سيهربون إلى أوروبا»، ومع ذلك، من وجهة نظر فرنسية، ليس هذا تغييرا جذريا في موقف الولايات المتحدة، بل هو مجرد تغيير في الأسلوب والخطابة.

كان الانقسام عبر المحيط الأطلسي في هذا الأمر واضحا بالفعل في قرار الرئيس باراك أوباما بعدم التدخل في سوريا، في ذلك الوقت، صرح أوباما أن سوريا لا تمثل «مصلحة حيوية» للولايات المتحدة، وبالتالي لم تبرر القيام بعمل عسكري.

تنفذ إدارة ترمب أيضا رؤية الولايات المتحدة لتقسيم العمل عبر الأطلسي، مدفوعا بشكل أساسي بالجغرافيا، ووفق هذه الرؤية فإن أولوية الولايات المتحدة هي أمن الخليج العربي واحتواء الصين، بما في ذلك عسكريا، في حين أن أفريقيا والشام هي من الدول الأوروبية والشركاء الإقليميين. ويدور هذا حول «تحويل العبء»، وهو إصدار أكثر جذرية لتقاسم العبء الذي تمت مناقشته لسنوات.

شعور أوروبا بالعجز

عندما قال جوزيف بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية «ليس لدينا قوى سحرية»، لخص الشعور العام بالعجز لدى الدول الأوروبية للاستجابة السريعة للأزمة في سوريا.

لقد أدان الاتحاد الأوروبي عملية تركيا، ودعت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة أيضا إلى مزيد من التنسيق الأوروبي. ومع ذلك، من الواضح أن كل هذا لن يغير مسار إردوغان بشكل جذري، إنها خطوة مهمة، ولكنها رمزية في الغالب، مع الأخذ في الاعتبار القضايا الأمنية على المحك.

بالنسبة لفرنسا، كان الضعف السياسي الحالي لألمانيا والمملكة المتحدة فرصة لتأكيد قيادتها في السياسة الخارجية والأمنية على المستوى الأوروبي، لكن الأزمة السورية وضعت حدا لذلك.

تحتاج باريس إلى شركاء أوروبيين أقوياء لمواصلة القتال ضد الجماعات الإرهابية في بلاد الشام، خاصة مع انسحاب الولايات المتحدة، كان من الممكن أن يكون الرد السياسي المنسق بمثابة إشارة إيجابية إلى أن هذه الدول الثلاث لا تزال لاعبين يجب حسابهم، بدلا من ذلك، تم تقليل هامش المناورة في فرنسا بشكل كبير حيث تواجه وحدها تداعيات الانسحاب الأمريكي.

الاعتراف بتأثير روسيا

كان التنازل عن القيادة الأمريكية في سوريا بمثابة اختبار للدول الأوروبية، حيث تجد فرنسا نفسها مضطرة ليس فقط لإعادة النظر في تعاونها مع الولايات المتحدة، ولكن أيضا للاعتراف بتأثير روسيا المتزايد في المنطقة، وسينظر إلى ذلك على أنه تأكيد لدعوة ماكرون لإعادة النظر في علاقة أوروبا مع روسيا.