الرأي

المدير الكوكتيل!

عبدالله الأعرج
من أعجب ما أسمع أن يقول أحدهم إن المدير مسؤول عن كل ما يدور في الإدارة التي يعمل بها، حتى لو أن شجرة سقطت في مكان العمل بسبب ريح عاتية في يوم نحس لوجبت مساءلته «لِم لم تمسك الريح عنها يا مدير؟»! هذا التصور عن عمل المدير يجعله يقع ضمن إطار أشبه بالكوكتيل أي المتعدد المهام القادر على كل المتطلبات والصالح لعدد لا ينتهي من المسؤوليات!

البعض يعتقد أن المدير الناجح هو الذي يسير أعمال الإدارة ويدور التعاميم على الموظفين ويتابعهم في مكاتبهم ويؤمن مواقف سياراتهم ويتفهم ظروفهم ويشكر عملهم ويذم تقصيرهم، وهو أيضا أمين الصندوق وحارس المبنى وعامل الري والزراعة وأمين المستودع ومسؤول الصيانة والنظافة، بل إنه مدير التقنية في مقر العمل ومسؤول الأنشطة وصاحب القول الفصل في الإرشاد والتوجيه ومستشار التوظيف، وأكمل ما شئت!

ولو كان الأمر كما يظن هؤلاء لاكتفت المنظمات بتكليف شخص واحد للقيام بمهمة مدير كوكتيل، واستغنت عن طوابير من المساعدين ومديري الإدارات والقائمين بأعمال الخدمات المساندة، ولا سيما أن هذه القائمة الطويلة تعني مزيدا من التكاليف وكثيرا من الجهد في موقع لا يحتاج سوى لشخص واحد فقط يملك عصى سحرية يضرب بها على التراب فيحيله ذهبا.

لذا فإن من المناسب أن نتذكر سويا أن المدير في العرف العملي موظف يقوم بمهام محددة، شأنه شأن أي موظف آخر بمنظومة العمل، وربما كان التحدي الأكبر لديه هو متابعة وتيرة الأداء من خلال الإدارات الكثيرة التي تتبع له وليس القيام بمهامها أو تحمل المسؤولية الكاملة حيال تقصيرها، بل إنه ليس معنيا دوما بالممارسات الفردية لبعض الإدارات التي تقلل من كفاءة العمل ويستحيل حلها بشكل فوري.

ولأن أكبر ما يبتلى به المدير هو المتابعة لمن هم تحت نطاق مسؤوليته، خاصة في بيئات العمل الكسولة فإنه من الضروري جدا أن يكون هنالك فهم من قبل منظمات التقييم للأدوار الحقيقية لكل من يعمل في المنظمة، والقدرة كذلك على تتبع الأداء وتحديد موطن الخلل بدقة عالية، تماما كما يفعل الفني في تتبعه لمشكلة ما حتى يصل لتحديد السبب والمسبب ويقترح الحل المناسب، وحين يكون القرار منطلقا من هذا الفهم فإن المنظمة ستكون بيئة مثالية لتقاسم المسؤولية ومشاركة الأخطاء وتحمل تبعات الإخفاق أو الاستمتاع بنواتج النجاح.

المدير هذا الاسم الأول في المنظمة لا يعني أيضا أن المنظمة ملك شخصي له ولا يجير نجاحها لسعادته ولا إخفاقها لحضرته، بل هو لؤلؤة ضمن عقد مكون من كل فرد ينتمي لتلك البيئة يناله ما ينالهم من النجاح، ويؤلمه ما يؤلمهم من الإخفاق، ولن يكون من المقبول أبدا أن يكون هنالك أي تفسير صارم على شاكلة أن نجاح المنظمة أو فشلها يتعلق حصريا بالمدير، رغم أهمية دوره واتساع دائرة إشرافه ومهامه.

ولكي نخرج من مفهوم «المدير الكوكتيل» لا بد أن يقابل بمفهوم «المدير الموظف» أي الذي لديه جملة وظائف محددة يسأل عنها كما يسأل أي موظف عن مهامه، هذا الأمر سيجعل بيئة العمل أكثر تقبلا للإدارات العليا، وأقل حدة في إشاعة مفهوم «الطبقية الإدارية» التي لا تنظر للإدارة سوى من خلال نافذة ضيقة تسمى الصلاحيات والتمكن، والتي تعتقد أن الإدارة تشريف بحت ووجاهة مجتمعية وسلطوية مبهجة، بدلا من أن تكون تكليفا متعبا وجهدا شاقا وعملا أكثر إنهاكا من أي موظف في المنظمة، وحينما يتعمق هذا الإدراك بوجدان الجميع ستكون المنظمة موعودة بأداء أكثر تناغما ونواتج أكثر لمعانا، لأن الجميع مدير والعمل واحد والغنيمة للكل!

dralaaraj@