الرأي

يا رخوم العالم اتحدوا!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
في الأيام الماضية تحولت إحدى مدن المكسيك إلى مسرح للقتل والتفجير والترويع لأن الحكومة المكسيكية ألقت القبض على ابن أحد أشهر أباطرة عصابات المخدرات في العالم، وهذا يبدو خبرا عاديا، لكن غير العادي أن الحكومة هناك آثرت السلامة وقررت الإفراج عن الابن حقنا للدماء كما قال الرئيس المكسيكي.

والحقيقة أني لا أريد شتم الدولة المكسيكية لأنه شتم بلا طائل، لأني أظن أن حكومة وشعب المكسيك محرومون من قراءة مقالتي، وليس لدي ما يؤكد أو ينفي أنهم يقرؤون ما أكتب.

لكني أكتب عن الموضوع لأنه أثار في نفسي بعض الشجون، فعلى كثرة الأحلام والتخيلات والطموحات التي تراودني عن نفسها في أحلام اليقظة لم أرد يوما أن أصبح زعيما لعصابة مخدرات، فالمسألة تحتاج إلى شجاعة وقلب ميت، وقد جربت نفسي في مواطن الشجاعة فلم أجدها، وأذكر أني في أحد الأيام الخوالي حين كنت أكثر شجاعة وإقداما مني الآن قررت أن أهرب كتابا «ديوان شعر» اشتريته من إحدى الدول المجاورة لأنه كان ممنوعا حينها في السعودية، وحين وصلت إلى نقطة الجمارك بدأت أشعر بالدوار والاضطرابات المعوية ورغبة عارمة في أن تقوم الساعة في تلك اللحظة. ومر الأمر بسلام ووصلت إلى المنزل وبقيت طريح الفراش يومين أتناول المشروبات الساخنة بأنواعها كي أخرج برد الخوف من عظامي.

وللإخوة غير الجبناء الذين لا يعرفون مثل هذه المشاعر، فإن أعراض الخوف تشبه أعراض الإنفلونزا الحادة، مع اختلاف يسير في بعض التفاصيل.

وبعيدا عن بطولاتي فإن قصة المجرم المكسيكي تبين الحكمة من وجود الدولة القوية بالقانون، فالأب والزعيم شخصيا مسجون في أمريكا لكنه لم ولن يملك الجرأة على ممارسة ذات الأمر الذي فعله في المكسيك من أجل الإفراج عن ابنه، وهذا ربما يدل على أن الشجاعة مسألة نسبية هي الأخرى، وأن شجاعة هذا الصنف من الكائنات المجرمة مبنية أساسا على ضعف وهشاشة من يتصدون له. ولذلك تكون الدول الفاسدة الضعيفة التي لا تحترم القوانين التي تضعها بيئة خصبة لنموهم وازدهار أعمالهم.

ووجود هذه الشخصيات في دول فاسدة أصلا قد يجعل منهم أبطالا في نظر الناس، ثم يأتي دور السينما والمسلسلات التي تعزز رسم صورة المجرم كبطل وقدوة، بداية من فيلم العراب بأجزائه الثلاثة، وانتهاء بأكثر المسلسلات شعبية في العالم مثل مسلسلي بريكنق باد وناركوس. فحين تنتهي من مشاهدة هذه الأعمال فإنه من الطبيعي أن يكون أقرب أحلامك تلك اللحظة أن تكون فيها زعيم عصابة مافيا أو زعيما لعصابة صناعة وتهريب المخدرات.

وعلى أي حال..

شاهدت مقاطع للأحداث التي وقعت في المكسيك مصحوبة بشيلات من عينة «أخذ حقه بدق خشوم»، وهذا من باب عولمة رسم الصورة الإيجابية للمجرمين والقتلة، وكثيرون حين يتحدثون عن القصة يتحدثون وهم «منتشون» من بطولات ذلك المجرم وعصابته التي أصبح اسمها الشعبي المتداول هو «المحزم المليان»، وهذا يبدو أمرا طبيعيا ومتوقعا في ظل تواري صورة الإنسان الحقيقي في الخلف، سواء في الأعمال الفنية أو حتى في أمثال وحياة الناس. فالمجرم العنيد اسمه «صليب الراس»، والقاتل غالبا شجاع، والمتسامح المحب للحياة والناس يصنف على أنه من «الرخوم» الذين لا يشد بهم الظهر.

agrni@