العالم

هل تبعد تركيا من الناتو؟

النظام الأساسي للحلف لا يضمن أي فقرة تتيح تعليق العضو المارق السيناتور جراهام أول من فجرها والكونجرس الأمريكي أكثر مجلس الشيوخ يطرح خيارات بديلة لمعاقبة إردوغان على تصرفاته حلف شمال الأطلسي لم يعلق عضوية أي دولة على مدار 70 عاما

في أعقاب الاعتداء التركي الغاشم على سوريا واجتياح شمالها الشرقي، وعد السيناتور الأمريكي ليندسي جراهام بـ «فرض عقوبات صارمة»، والدعوة إلى تعليقها من عضوية حلف شمال الأطلسي إذا هاجمت القوات الكردية التي ساعدت الولايات المتحدة في تدمير داعش، ورد رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب إليوت إل إنجل قائلا «على الولايات المتحدة أن تفكر في طرد تركيا من الناتو».

فيما كشف وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير أنه حذر تركيا قبل توغلها بأنه إذا كانت ستواصل العملية، فإن ذلك «سيضر بالعلاقات الأمريكية مع تركيا، وبقاءها في الناتو»، فإن كل الدلائل تؤكد أنها ليست المرة الأولى التي يجري خلالها التلويح بطرد أو تعليق عضوية تركيا في حلف الناتو، بما في ذلك ردا على الحملة السياسية لعام 2016 وقرارها بالحصول على نظام الدفاع الجوي الروسي S-400، لكن في النهاية لا يتعدى الأمر مجرد الكلام.

هل يمكن طردها من الناتو؟

كتب الأستاذ مشارك في القانون الدولي العام بجامعة إكستر أوريل ساري عبر موقع Just Security «تسبب العمل العسكري المستمر لتركيا في سوريا، في حالة من الذعر والفزع بين حلفائها»، لكن ساري أكد أن عملية طردها من الناتو ليست بهذه البساطة، حيث تنص لوائح المنظمات الدولية على تعليق حقوق الدولة العضو وإنهاء عضويتها، في ظروف معينة، تشمل ميثاق الأمم المتحدة (المادتان 5 و6)، والنظام الأساسي لمجلس أوروبا (المادة 8) ومعاهدة الاتحاد الأوروبي (المادة 7)، ولم تكن معاهدة شمال الأطلسي من بينها، حيث لا ينص أي حكم في المعاهدة على تعليق حقوق العضو، ناهيك عن طرد الحليف.

داخل الناتو، يتم حل المخاوف المتعلقة بسلوك الحلفاء الفرديين بشكل أساسي من خلال الوسائل الدبلوماسية، والضغط السياسي، واتخاذ نظرة طويلة الأجل، كما عبر عنه جورج بينيتز من مركز أبحاث المجلس الأطلسي في واشنطن، يميل قادة الناتو إلى «انتظار الزعماء الوطنيين الذين يسيئون التصرف إلى أن تعود حكومة تتفق مع قيم التحالف إلى السلطة في نهاية المطاف». وهذا لم يوقف التكهنات حول ما إذا كان يمكن طرد أي دولة من الناتو وإذا كان الأمر كذلك، في الواقع، ما هي الخيارات في حالة عدم وجود عملية رسمية لتعليق العضوية أو إنهاؤها؟

مجتمع الناتو

وفقا للإعلان الرسمي للناتو، فهو ليس مجرد مجتمع مصالح، ولكنه أيضا مجتمع قيم، مستوحاة من صياغة معاهدة بروكسل لعام 1948، حيث تنص ديباجة معاهدة شمال الأطلسي على هذه النقطة بالشروط التالية:
  • تؤكد أطراف المعاهدة إيمانها بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه ورغبتهم في العيش في سلام مع جميع الشعوب وجميع الحكومات.
  • التصميم على حماية حرية شعوب الحلف وتراثهم المشترك وحضارتهم، المبنية على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون، والسعي إلى تعزيز الاستقرار والرفاهية في منطقة شمال الأطلسي.
  • التصميم على توحيد الجهود للدفاع الجماعي والحفاظ على السلام والأمن، وفق معاهدة شمال الأطلسي.
  • وتؤكد المادة 2 من المعاهدة على أن التحالف يقوم على مجموعة من القيم المشتركة، وهو ما يلزم الأطراف «بتقوية مؤسساتهم الحرة» و»تحقيق فهم أفضل للمبادئ التي تقوم عليها هذه المؤسسات». وكذلك بموجب المادة 10 التي تنص على أن الأعضاء المحتملين يجب أن يكونوا في «وضع يمكنهم من تعزيز مبادئ هذه المعاهدة» من أجل الانضمام إليها.


كيف يعاقبون تركيا؟

السؤال هو ما إذا كانت تركيا تنتهك ماديا التزاماتها بموجب معاهدة شمال الأطلسي أم لا؟

ذكر ساري أنها مسألة يحددها الأعضاء الآخرون في المجلس، حيث إن هناك «احتمالا كبيرا للغاية أن تشكل العملية العسكرية انتهاكا واضحا لحظر استخدام القوة»، إلى جانب تهديد الرئيس إردوغان بفتح البوابات أمام اللاجئين السوريين للهجرة، وبالنسبة لأوروبا، هو تهديد جوهري يتعارض مع وحدة التحالف وتضامنه، ووصف هذه التطورات بأنها خرق مادي ليس بعيد المنال تماما.

على أي حال، فإنهم يخولون دول حلف شمال الأطلسي الأخرى تعليق أو تقليص تعاونهم العسكري مع تركيا، حتى دون إعلان تركيا عن خرق مادي، وعلى الرغم من أن المادة 3 من معاهدة شمال الأطلسي تلزم الأطراف بالحفاظ على قدرتها الفردية والجماعية وتطويرها لمقاومة الهجوم المسلح، فإن هذا الالتزام يهدف إلى متابعة أهداف المعاهدة. وبالتالي، فإن واجب تطوير القدرات العسكرية والتعاون لتحقيق هذه الغاية لا يلغي الالتزام بتعزيز مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون.

وأفادت تقارير بأن عددا من الحلفاء، بما في ذلك فرنسا وألمانيا والنرويج، وكذلك الشريك الرسمي لحلف شمال الأطلسي، قد أوقفوا بيع المعدات العسكرية إلى تركيا.

عموما، فإن عدم وجود آلية تعليق وطرد في معاهدة شمال الأطلسي لا يمنع حلف شمال الأطلسي من تعليق أو إنهاء عضوية أي حليف وجد أنه ينتهك ماديا المعاهدة. ومع ذلك مع مرور 70 عاما على المعاهدة، ما زال هذا موقفا يؤسف له أن يكون المجلس بأي حال من الأحوال، إن تعليق عضوية دولة في منظمة حلف شمال الأطلسي، ناهيك عن الإنهاء، سيكون إجراء متطرفا لا يمكن التفكير فيه إلا بعد استنفاد المحاولات الأخرى لاستعادة الوحدة واحترام مبادئ تأسيس الحلف.

أكثر من تحالف عسكري

سعى بعض الأعضاء المؤسسين لحلف الناتو إلى إعطاء هذه المبادئ أهمية أكبر، أكثر من أي طرف آخر، وكانت كندا ترغب منذ البداية في أن يصبح مجتمع شمال الأطلسي «أكثر من مجرد تحالف عسكري» ودفعت هذه الرغبة الحكومة الكندية إلى اقتراح أن تقبل الأطراف المتفاوضة الاختصاص الإجباري لمحكمة العدل الدولية فيما يتعلق بجميع النزاعات القانونية التي تنشأ بينهما، كما أن احترام كندا العالي لمبادئ الديمقراطية والحرية السياسية وسيادة القانون دفعها إلى التعبير عن مخاوفها بشأن العضوية المحتملة في البرتغال وإسبانيا.

وفي النهاية أثبتت الأسباب الاستراتيجية لدعوة البرتغال للانضمام إلى الناتو كعضو مؤسس أنها أكثر إقناعا، بينما انضمت إسبانيا لاحقا فقط في عام 1982 بعد استعادة الديمقراطية. واسترشادا بهذه المثل العليا، اتبعت كندا بنشاط فكرة دمج شرط الطرد في مشروع المعاهدة في سبتمبر 1948، والذي تضمن أول مخطط لاتفاق المستقبل وهو: في نظر الحكومة الكندية، فإن الظروف التي قد تبرر تنحية حزب ما يجب أن تشمل «دخول حكومة تهيمن عليها الشيوعية» إلى السلطة في تلك الولاية، وللتعامل مع مثل هذا الاحتمال، اقترحت كندا مشروع حكم يخول مجلس شمال الأطلسي تعليق أو طرد دولة عضو من امتيازات العضوية.

قوبلت هذه المقترحات بفتور، وكان الشعور العام لدى الأطراف المتفاوضة الأخرى أنه سيكون من الخطأ إدراج أي بند في المعاهدة يثير أسئلة حول إجراء التصويت في المجلس، واعتقد وزير الخارجية البريطاني إرنست بيفن أنه ينبغي مقاومة أي جهود لتزويد المجلس بصلاحيات تصالحية، حيث قال «لا أرى أي فائدة في النزاعات التي قد تكون لدينا في المستقبل مع الأمريكيين أو في الواقع مع مناقشة الفرنسيين في العلن وبحضور الإيطاليين والدول الاسكندنافية والبرتغالية».

الخيارات المتاحة

في بيان أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عام 1949، تبنى وزير الخارجية آنذاك دين أتشيسون مقترحا بطرد أي دولة في حالة عدم وجود إجراء رسمي للتعليق والطرد، وكانت تعليقاته على ديباجة المعاهدة «كان أحد أغراض هذه الديباجة هو معرفة ما إذا كنا نستطيع بطريقة ما وصف بلد ديمقراطي غير شيوعي، كان الغرض أن تصبح إيطاليا عضوا في مثل هذه المعاهدة، وبعد ذلك يجب أن تصبح شيوعية وقتها».

تناولت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي المسألة في تقريرها «وتم انتقاد المعاهدة في بعض الأوساط لأنها لا تتضمن أي حكم بالطرد أو تعليق حقوق العضو المتمرد الذي قد يفشل في تنفيذ التزاماته نتيجة، على سبيل المثال، الخضوع للشيوعية. نظرا لطبيعة الاتفاقية والمجتمع الوثيق لمصالح الدول الموقعة، تعتقد اللجنة أن مثل هذا الحكم سيكون غير ضروري وغير مناسب. ومع ذلك، من الواضح أنه إذا انتهك أحد الأعضاء باستمرار المبادئ الواردة في الاتفاقية، فلن يكون الأعضاء الآخرون ملزمين بمساعدة ذلك العضو».

كيف يتم خرق مبادئ الناتو؟
  • التنصل من المعاهدة التي لا تجيزها الاتفاقية، وهو ما يعني انتهاك المبادئ الأساسية للمعاهدة إلى درجة أن «تنكر» أو تنبذ المعاهدة بشكل فعال
  • انتهاك حكم ضروري لإنجاز موضوع المعاهدة أو غرضها، حيث لا يمكن أن يكون هناك شك في أن الامتثال المستمر للقيم المنصوص عليها في الديباجة ضروري لتحقيق هدف المعاهدة والغرض منها
  • الدولة العضو التي تنتهك المبادئ بطريقة منهجية وشنيعة ستلقي بظلال من الشك على عزم الحلفاء على «توحيد جهودهم من أجل الدفاع الجماعي والحفاظ على السلام والأمن»
  • في حالة استيفاء الشروط اللازمة لوجود خرق مادي، يحق للدول الأعضاء في حلف الناتو، باتفاق بالإجماع، تعليق تنفيذ المعاهدة كليا أو جزئيا أو إنهاءها، سواء في علاقاتها مع الدولة المتعثرة أو بين جميعهم، لهذه الأغراض، سيكون قرار مجلس شمال الأطلسي بالإجماع


قالوا عن الغزو التركي

«التدخل العسكري يخلق وضعا إنسانيا لا يطاق، لا بد من وقف الهجوم فورا»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

«على إردوغان وضع حد فوري للعمليات العسكرية»

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

«نشعر بالقلق الشديد إزاء عمل تركيا، هناك خطر قد يؤدي لوقوع كارثة إنسانية في المنطقة»

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون