الرأي

متى نسمع موروثنا الموسيقي في قاعات الأوبرا؟

زيد الفضيل
في اليوم العالمي للموسيقى الذي يوافق الأول من أكتوبر، لم أستطع إخفاء ابتسامة عابرة لاحت على شفتي، وأنا أستذكر تلك الأيام التي كنا نصارع فيها بعض المتشددين حين نتحدث عن الموسيقى، وكيف يكون تأثيرها على النفس جميلا، ودور الطربي منها في تهدئة الأبدان القلقة، ناهيك عن حالة الانتشاء التي تنتاب من يبحر في أفانينها؛ لكننا لم نكن لنكمل ما نقوله حتى ينقض علينا أولئك بهجومهم الشرس، وينعتوننا بأوصاف مجحفة لا تصح ولا تليق بأمة سيد الرحمة، ومشرع منهج الحرية والاختيار؛ وعبثا كان حوارنا معهم، واستشهادنا بأدلة شرعية متنوعة تعضد وجهة ما نقوله ونؤمن به.

في هذا اليوم استذكرت بكل تأمل قول نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود». ما أجمل هذا القول! وما أدق دلالته!

لقد عكست لفظة «لو رأيتني» التي ابتدأ بها النبي قوله، حالة الانتشاء الكبيرة التي اعترته صلى الله عليه وآله وسلم وهو يستمع إلى تلاوته، حتى إنه في المقطع الثاني قد عمد إلى تقرير مدى وعظم جمال تنغيم أبي موسى، حين وصفه بأنه قد أوتي مزمارا من مزامير آل داود؛ والمزمار ـ كما هو معروف ـ هي آلة موسيقية شهيرة تصدر صوتا نديا، ترق لها النفوس، وتتمايل لها الأبدان، وكأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أراد بقوله «لو رأيتني»، أي لو نظرت يا أبا موسى إلى حالة الانتشاء التي كنت فيها، والتمايل الرقيق الذي كنت عليه، وأنا أستمع إلى تلاوتك المنغمة دون نشاز أو نفور صوت، لكان ذلك مدعاة إلى سرورك بتجويدك وتنغيمك وأدائك الجميل في تلاوتك.

هذا هو المعنى الدقيق الذي أراد النبي أن يبينه في قوله لأبي موسى ولغيره من أصحابه، كما أن إباحة التنغيم الموسيقي واستخدام مسمى إحدى آلاتها لبيان ذلك، هو الدلالة الفقهية التي أراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يوضحها لأبي موسى وغيره من أمته واقعا لا قولا، لكونه ما كان ليصف جمالا بآلة محرمة على أمته، وكان يسعه أن يصف جمال صوته بلفظ دون ذكر لأي آلة موسيقية، فكيف وقد اختار أن يشبه جمال صوته بآلة المزمار، وهي إحدى الآلات الموسيقية الرئيسة، مثلها مثل الآلات الوترية كالعود وغيره، وآلات الإيقاع باختلاف مسمياتها كالدف والرق والطبلة وغيرها.

وواقع الحال، لست هنا في وارد إثبات جواز الموسيقى، فقد بات ذلك واضحا وضوح الشمس، ولمن يريد زيادة التفقه فلينظر إلى أقوال الفقهاء من أمثال الشيخ محمد الغزالي، والدكتور سالم الثقفي الذي أصدر كتابه الشهير «أحكام الغناء في الإسلام»، ولعمري كم وجد بسببه عنتا كبيرا حتى وفاته يرحمه الله.

على أني أجدها فرصة

ـ ونحن نعيش حالة استعادة حياتنا الطبيعية الإنسانية كما أشار ولي العهد يحفظه الله ـ لأن أشدد على أهمية أن تهتم وزارة الثقافة بتوثيق موروثنا الموسيقي الشعبي وفق منهج علمي، وتحفيز الموسيقيين ـ خاصة الشباب منهم ـ إلى تأليف مقطوعات موسيقية مستلهمة من ذلك الموروث الأصيل، بحيث يمكننا عرضها في مختلف المحافل العالمية، لبيان شيء من جذور أرواحنا الجميلة الهادئة.

في هذا السياق أيضا أرجو أن تهتم وزارة الثقافة برموز موروثنا الموسيقي المعاصر كغازي علي سلمه الله، وطارق عبدالحكيم، وحامد عمر، وغيرهم ممن سلف يرحمهم الله، فهم يستحقون كل وفاء، ويستحق موروثهم أن يجمع ويحفظ، ولن أنسى ما حييت تلك المقطوعة الموسيقية بنسق غربي التي أسمعني إياها الموسيقار حامد عمر، وكان قد استلهم لحنها من «لالٍ» شعبي اعتاد أهل الطائف أن يبتدئوا به في غنائهم.

@zash113