الرأي

هل الشاب السعودي غير مناسب لسوق العمل الخاص؟

عبدالله الأعرج
لم يعد من الغريب أن أسمع أسئلة مكررة بمجرد أن يعلم جليسي أني أنتمي لقطاع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وتتمحور غالبية هذه الأسئلة حول كفاءة الخريج، مستقبل التدريب، أهمية الاستثمار في الشباب الوطني في ظل مرحلة تشهد حراكا تنمويا لافتا ورؤية طموحة.

فإن كان جليسي من عامة الناس بمعنى أنه لا يرتبط بتجارة ولا بتدريب أو تعليم فإن السؤال غالبا يأتي عن ماهية الجهود التي يبذلها التدريب التقني لإعداد شاب وشابة وطنيين يسدان - باقتدار - حاجة سوق العمل، وينتهي النقاش بنصيحة من طرفه بأن نستثمر في الشباب وأن نرفع كفاءة التأهيل وجودة المخرج.

وإن كان جليسي رب عمل في القطاع الخاص فإن حرارة النقاش بيني وبينه تعلو حينا وتهبط حينا، وفقا لحسن النوايا وقوة الحجة وصلابة الواقع المشاهد. النقاش هنا يحمل أسئلة مثل: هل لديكم تدريب عملي بالكليات والمعاهد يشابه التدريب الموجود بالسوق؟ هل تعلمون متدربيكم

قيمة العمل والسلوك المهني؟ لا يخلو النقاش أيضا من بعض المراشقات الناعمة حينما يجزم بعض أرباب العمل أن الشاب أو الشابة الوطنيين غير مناسبين للعمل، نتيجة كثرة الغياب أو قلة الإنتاجية أو عدم الاستماع لملاحظات وأوامر الرئيس المباشر بالقطاع الذي يعملون فيه، وسأستغل ما بقي من أسطر للحديث عن النظرة السلبية من بعض أرباب العمل حول هذا الأمر.

ولكي أكون مهنيا في سردي لا بد أن أوضح للقارئ أنني أملك الأهلية للخوض في هذا الموضوع بحكم عملي في القطاع الخاص في مستهل حياتي العملية ولأكثر من جهة، وبحكم عمل ابني فيه، وعملي التدريبي في قطاع حكومي يدرب شبابنا الوطني للعمل بالقطاع الخاص، وعملي الإداري في موقع يتيح لي زيارة أبنائنا في مواقع عملهم بالقطاع الخاص والاستماع لأرباب العمل وربط السوق بالتدريب والورشة والمعمل بقاعة الدراسة.

ولأختصر الموقف فإنني لا أنكر أن هنالك حالات غير مرضية لقلة قليلة من بعض شبابنا نتيجة أسباب مختلفة، شأنها في ذلك شأن أي قطاع آخر في أي مكان من العالم، ولكن التعميم على هذه الحالات القليلة وجعلها مرجعية وصورة نمطية تعمم على شبابنا أمر غاية في السوء، بل ومصدر إحباط لأجيال قادمة من الشباب المتحفز للعمل والمتوثب للمهنة، أما الادعاءات الكبيرة بأن الشاب السعودي لا يصلح لسوق العمل الخاص كما يردد البعض فهو أشبه بالتنصل من المسؤولية من قبل بعض أرباب العمل، ولكي أكون أكثر وضوحا مع هذا النوع من أرباب العمل فإنني سوف أسأله عن ثلاثة أمور ينشدها كل طالب عمل على وجه المعمورة، سواء كان سعوديا أو أوروبيا أو آسيويا أو غير ذلك، وهي: مناسبة الأجور للعمل، عدد ساعات العمل، تسلط إدارات العمل.

وأريد من بعض المتذمرين أن يكون أكثر إنصافا ومهنية ليجيبني إن كان مقتنعا بأن ما بين 3 و4 آلاف ريال شهريا مبلغ مناسب للعمل في قطاع يتطلب العمل الدائم وقوفا أو حركة لمدة 8 أو 9 ساعات يوميا مقابل يوم راحة واحد أحيانا، وأريد من المتذمرين من الشاب الوطني من أرباب العمل أن يخبرني عن سوء التعامل مع الموظفين أمام زملائه أو الجمهور، خاصة في الأعمال التي تتطلب مواجهة الجمهور، كما أريد منهم أن يبرروا لي المقولة الخالدة Many Employees leave their managers not their workplace والتي تترجم بأن كثيرا من الموظفين يتركون أعمالهم بسبب مديريهم لا بسبب شركاتهم، أريد هؤلاء المتذمرين أن يؤكدوا لنا هل كان علماء الإدارة مخطئين حينما وصلوا لهذه النتيجة!

أنا أيضا أتمنى على المشككين بقدرة الشاب السعودي أن يخبروني بمستوى تمكينهم للشاب من المراكز التنفيذية والمواقع القيادية، وأرجو ألا ينسوا كم من الوعود قطعت لبعض شبابنا بالترقية منهم، ثم ذهبت أدراج الرياح.

لا أعتقد أنني بحاجة لإيراد مزيد من الحيثيات لكي أتفاعل مع استياء جليسي - غير المنصف - حول نيله من كفاءة شبابنا وشاباتنا الوطنيين، لأن العلاج للقصور في أي مشكلة ينبع من فهم المشكلة ذاتها، وتغيير نمط التعاطي مع مسبباتها، بعدها ستختفي تلقائيا دونما عناء، كذلك فإن التمكين والثقة الواعية والمنضبطة في المخرجات الوطنية لقيادة القطاع الخاص ستكون مبهرة، كيف لا ونحن أمام نماذج وطنية لا تحصى من القيادات الوطنية التي لا تكاد تترك قطاعا حتى يستهم عليها باقي القطاعات رغبة في الفوز بإبداعاتها وتفردها اللافتين؟!

دعونا أيها المشككون بكفاءة أبنائنا نثق بهم في القطاع الخاص، ونمنحهم ما يستخرج أجمل ما لديهم، ولا سيما أن ولوجهم لهذا القطاع يعد حديثا مقارنة بكثير من دول العالم، دعونا نرسخ مفهوم الشراكة الحقيقية ومفهوم بناء الوطن بيد إنسانه، دعونا نقص نجاحات أبنائنا وبناتنا في القطاعات الحكومية ونلصقها في سوق العمل، دعونا نبني وطنا واحدا بيد واحدة، وسوف نصل بأسرع مما توقعنا ونحصد أكثر مما أملنا.. فقط دعونا!