حكايتي مع التعليم.. لا أرى لا أسمع لا أتكلم
الأربعاء / 26 / محرم / 1441 هـ - 18:30 - الأربعاء 25 سبتمبر 2019 18:30
قبل نحو ربع قرن عندما تركت التعليم مكرها والتحقت بالقطاع الخاص لفت انتباهي بمكتب زميلي الخواجة مجسم القرود الثلاثة (لا أرى لا أسمع لا أتكلم)، وبالرغم من عملي كمعلم قرابة خمس سنوات، إلا أن حكايتي مع التعليم تمتد عمري كله بمراحله الثلاث طالبا ثم معلما ثم ولي أمر، والتي قسمتُ معاناتها بحسب هذا المجسم.
لا أرى: جرت العادة أن أمشي بعد صلاة الفجر بالحي فصاحبني مرة سائق جارنا الغاني الذي كان يتحدث الإنجليزية، فتكلمنا عن التعليم ثم صدمني بقوله إن حصة الرياضة في مدارسهم تمتد لساعتين، وتكون داخل صالة رياضية مغلقة بها جميع أنواع الألعاب، وهو ما كنا نتمناه ونحلم به أنا وزملائي عندما كنا طلابا، حيث إن بعضنا كان لا يحب كرة القدم ويفضل التنس مثلا عليها، كما لا أنسى قهرنا وإحباطنا عند سماعنا جرس انتهاء حصة الرياضة في أقصى لحظات المتعة والحماس، لكن هكذا هو حال تعليمنا يهمش رغبة الطالب تماما ولا يراه كائنا موجودا، فلا يراعي مشاعره ورغباته ولا يلتفت إلى أمانيه وطموحاته.
لا أسمع: بعدما تم قبولي كمعلم ثانوي بالفيزياء جاءني اتصال بالموافقة على تعييني بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية فاعتذرت لشغفي بالتعليم، وحبي لخدمة الشباب وإثراء عقولهم وكان التعليم وقتها مطورا، حيث المناهج جديدة وأقرب في محتواها للسنة الجامعية الأولى، فقضيت بالمدرسة زهرة شبابي واستمتعت أيما متعة بالتحضير وإعداد الاختبارات والنشاطات والدورات والمسابقات والرحلات، إلى أن جاء قرار وزاري طعن طموحي وأصاب شغفي في مقتل وهو قرار التخلي عن التعليم المطور والرجوع إلى النظام التقليدي، والأدهى من ذلك العودة بنا إلى مناهج السبعينات القديمة التي درسناها قبل 20 سنة من قرار تعييني فقررت حينها الانسحاب من حقل التعليم بلا رجعة.
لا أتكلم: كان رئيسي بالعمل خواجة يمارس هواية ركوب الخيل وزوجته كانت تهوى العزف، ولما سجلا ابنهما بالروضة بمدارس بلادهما عندنا، كان يسمح لهما بإعطاء دروس في الموسيقى وركوب الخيل، فأحببت كأب ومدرس سابق فعل الشيء نفسه مع أبنائي في مدارسهم الحكومية والأهلية، فوجدت ممانعة ومقاومة شديدة، فأنت كأب عندما تزور مدرسة ابنك دون طلب منهم تقابل باندهاش وشبه تحقيق عن سبب حضورك، وكأنك لص سطا على مدرستهم، وإذا اقترحت عليهم شيئا لاقوك بابتسامة صفراء ونظرات ارتياب ساخرة، ولا يحبذون تواجدك البتة إلا في مجالس الآباء الطارئة التي لا يحضرها كثير منهم خوفا من خاتمتها المعروفة مسبقا، والعجيب عندما درست دبلوما تربويا أمريكيا اكتشفت أن أولياء الأمور هناك يسمح لهم بالمشاركة في وضع وتطوير المناهج الدراسية.
يقول أفلاطون التربية الأمريكي جون ديوي في كتابه المدرسة والمجتمع، وهو مجموع محاضرات ألقاها على جمع من الآباء والمعلمين في جامعة شيكاغو، يقول: إن التربية هي حياة المجتمع وتربية النشء تحتاج إلى تعاون البيت والمدرسة، ويلزم أن نجعل في كل مدرسة من مدارسنا حياة اجتماعية مصغرة، فجعل من ضمن تصميم بناء المدرسة وجود ورشة ودكان ومطبخ ومتحف، لأنه يعتقد أن أحب شيء في المدرسة أن تصبح محلا يعيش فيه الأطفال حقيقة ويكتسبون فيه خبرة حياتية يجدون فيها ابتهاجا ومعنى.
يا معالي وزير التعليم إذا بقيت بيئتنا التعليمية هي هي شعارها (لا أرى الطالب شيئا ولا أسمع من المعلم رأيا ولا أسمح للوالد بالتكلم)، فلا جدوى إذن من تغيير القيادات أو إنفاق مزيد من الريالات، حيث إن إصلاح البيئة التعليمية بأضلاعها الثلاثة يبقى مطلبا أوليا لصناعة جيل 2030 إن كنا فعلا نحلم بالوصول للرؤية في اليوم الموعود.
@mohdobaid66
لا أرى: جرت العادة أن أمشي بعد صلاة الفجر بالحي فصاحبني مرة سائق جارنا الغاني الذي كان يتحدث الإنجليزية، فتكلمنا عن التعليم ثم صدمني بقوله إن حصة الرياضة في مدارسهم تمتد لساعتين، وتكون داخل صالة رياضية مغلقة بها جميع أنواع الألعاب، وهو ما كنا نتمناه ونحلم به أنا وزملائي عندما كنا طلابا، حيث إن بعضنا كان لا يحب كرة القدم ويفضل التنس مثلا عليها، كما لا أنسى قهرنا وإحباطنا عند سماعنا جرس انتهاء حصة الرياضة في أقصى لحظات المتعة والحماس، لكن هكذا هو حال تعليمنا يهمش رغبة الطالب تماما ولا يراه كائنا موجودا، فلا يراعي مشاعره ورغباته ولا يلتفت إلى أمانيه وطموحاته.
لا أسمع: بعدما تم قبولي كمعلم ثانوي بالفيزياء جاءني اتصال بالموافقة على تعييني بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية فاعتذرت لشغفي بالتعليم، وحبي لخدمة الشباب وإثراء عقولهم وكان التعليم وقتها مطورا، حيث المناهج جديدة وأقرب في محتواها للسنة الجامعية الأولى، فقضيت بالمدرسة زهرة شبابي واستمتعت أيما متعة بالتحضير وإعداد الاختبارات والنشاطات والدورات والمسابقات والرحلات، إلى أن جاء قرار وزاري طعن طموحي وأصاب شغفي في مقتل وهو قرار التخلي عن التعليم المطور والرجوع إلى النظام التقليدي، والأدهى من ذلك العودة بنا إلى مناهج السبعينات القديمة التي درسناها قبل 20 سنة من قرار تعييني فقررت حينها الانسحاب من حقل التعليم بلا رجعة.
لا أتكلم: كان رئيسي بالعمل خواجة يمارس هواية ركوب الخيل وزوجته كانت تهوى العزف، ولما سجلا ابنهما بالروضة بمدارس بلادهما عندنا، كان يسمح لهما بإعطاء دروس في الموسيقى وركوب الخيل، فأحببت كأب ومدرس سابق فعل الشيء نفسه مع أبنائي في مدارسهم الحكومية والأهلية، فوجدت ممانعة ومقاومة شديدة، فأنت كأب عندما تزور مدرسة ابنك دون طلب منهم تقابل باندهاش وشبه تحقيق عن سبب حضورك، وكأنك لص سطا على مدرستهم، وإذا اقترحت عليهم شيئا لاقوك بابتسامة صفراء ونظرات ارتياب ساخرة، ولا يحبذون تواجدك البتة إلا في مجالس الآباء الطارئة التي لا يحضرها كثير منهم خوفا من خاتمتها المعروفة مسبقا، والعجيب عندما درست دبلوما تربويا أمريكيا اكتشفت أن أولياء الأمور هناك يسمح لهم بالمشاركة في وضع وتطوير المناهج الدراسية.
يقول أفلاطون التربية الأمريكي جون ديوي في كتابه المدرسة والمجتمع، وهو مجموع محاضرات ألقاها على جمع من الآباء والمعلمين في جامعة شيكاغو، يقول: إن التربية هي حياة المجتمع وتربية النشء تحتاج إلى تعاون البيت والمدرسة، ويلزم أن نجعل في كل مدرسة من مدارسنا حياة اجتماعية مصغرة، فجعل من ضمن تصميم بناء المدرسة وجود ورشة ودكان ومطبخ ومتحف، لأنه يعتقد أن أحب شيء في المدرسة أن تصبح محلا يعيش فيه الأطفال حقيقة ويكتسبون فيه خبرة حياتية يجدون فيها ابتهاجا ومعنى.
يا معالي وزير التعليم إذا بقيت بيئتنا التعليمية هي هي شعارها (لا أرى الطالب شيئا ولا أسمع من المعلم رأيا ولا أسمح للوالد بالتكلم)، فلا جدوى إذن من تغيير القيادات أو إنفاق مزيد من الريالات، حيث إن إصلاح البيئة التعليمية بأضلاعها الثلاثة يبقى مطلبا أوليا لصناعة جيل 2030 إن كنا فعلا نحلم بالوصول للرؤية في اليوم الموعود.
@mohdobaid66