الرأي

إهبّ يا وجهه!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
مع أني ـ كما أخبرتكم مرارا ـ لا أفهم كثيرا في شؤون السياسة، إلا أني ـ كما أخبرتكم أيضا ـ لا أجد حرجا كثيرا في الحديث عن الأمور التي لا أفهمها، ولدي استعداد لأن أدلي برأيي في كل أمر حتى لو كنت أسمع به للمرة الأولى، فهذا العصر يبدو معيبا أن تكون طالبا للمعرفة، يجب أن تكون منتجا لها حتى وإن كنت جاهلا، فالجهل بضاعة أيضا يمكن بيعها والاستفادة من عوائدها.

ودعوني لا أستطرد كثيرا في الحديث عن دكاكين المعرفة قليلة السعرات ومنافذ بيع الجهل كامل الدسم، فهذا ليس الأمر الذي أنتوي الحديث عنه، لأن الحديث عنه باستطراد وأريحية يعني أن كل هذه الثرثرة ستذهب هباء وسأتلقى اتصالا في نهاية الأمر من الزملاء الأفاضل في الصحيفة يطلبون فيه مقالا بديلا وأنا لا أحب الأشياء البديلة.

ما أود قوله إن الذي اختلف في التعاطي مع الأزمات السابقة التي مرت بها السعودية والأزمة الحالية التي تسبب فيها النظام الإيراني وملحقاته هو أن «السوالف» التي كانت تدور بين الناس وهم يلعبون البلوت أو أثناء تعاطيهم الشاهي في جلسات السمر وجلسات الضحى، أصبحت الآن وبفضل ثورة وسائل التواصل هي الآراء التي تتصدر المنابر وقنوات الإعلام التقليدية، ومع تشابه المضمون إلا أني لا أشك أن هنالك فوارق بين الحالتين، منها ـ على سبيل المثال ـ أن صاحب هذا الرأي كان يقوله وهو حاسر الرأس ويرتدي قميص النوم الشهير أو مكتفيا بالفنيلة والسروال ـ الشهيرين أيضا ـ أما الآن فإنه يلبس ثيابا أنيقة وبدلا من أن يقول تلك السوالف لأصدقائه أصبح يقولها للناس جميعا، وأصبح الغرباء يثقون في تحليلاته، بينما كان أصدقاؤه الذين يعرفونه حق المعرفة «يسفهونه» حين يبدأ في الحديث.

وضرر هؤلاء يتعدى مسألة التحليل الساذج للأمور، وأشد أذى يمكن أن يلحقوه بالبشرية هو أنهم يتسببون بطريقة غير مباشرة في أني ـ وأنا فقير معرفيا بشكل عام وسياسيا بشكل خاص ـ أشعر وأنا أسمع أحاديثهم بأني أوتيت علما كثيرا، وهذا شعور خطير جدا لأنه لا يتولد بسبب المعرفة ولكن بسبب مقارنة جهلي بجهل الآخرين.

بعض هؤلاء يحلل الأزمة وكأنه يتحدث عن خلاف بين طالبين في الثانوية يجب أن يحلاه بعد «الصرفة»، ويتعامل مع الحرب وكأنها لعبة حملها للتو من متجر التطبيقات، سيجربها وإن لم ترق له حذفها وبحث عن غيرها.

وعلى أي حال..

سأفترض أنكم تصرون على معرفة رأيي في الموضوع، بما أن الكل يدلي بدلوه، وسأفعل ذلك من باب أنه «لا أحد أحسن من أحد» وإني أرى ـ وفقني الله ـ أن تعامل الدولة السعودية مع هذه الأزمة يقترب من الكمال، لأن الطرف الآخر يريد الحرب لأنه يعتقد أنها ستنقذه من أزماته وليس لديه ما يخسره، وعدم الاستجابة لاستجداءاته لهذه الحرب المنقذة هو انتصار ساحق وطريقة مثالية لجعله يدفع ثمن كل حماقاته دون أن تطلق رصاصة واحدة.

agrni@