الرأي

ومن نكد الدنيا أن تلدغ من جحر مرارا!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
من جميل نعم الله علي أن خلقني فردا أسير في ملكوته. صدري وطن لهمومي الخاصة وأحلامي الصغيرة والتافهة، ولأني أشعر بثقلها على ضآلتها فإني أشفق على الدول لأن صدورها أوطان الناس.

خذلان أصدقائي محبط، ومع أن الإحباط مؤلم ومؤذ إلا أنه ليس أمرا خطيرا. ويمكن بقليل من الجهد تجاوز هذه الإحباطات بل وحتى شطب الأشخاص من قائمة الأصدقاء. أن يصبحوا أشخاصا عاديين لا يعني وجودهم أي شيء، يمكن أن أنتقل وأبدل منزلي وجيراني، يمكن أن أهاجر وأترك المكان بمن وما فيه.

الدول لا تستطيع فعل ذلك، فجيرانها هم جيرانها ومكانها هو مكانها، والسياسة والبحث عن المصالح هما أساس العلاقات مع الأصدقاء والأعداء وما بينهما، وهذا الأمر تحديدا هو أكثر الأشياء بؤسا في حياة الدول.

وأظن المتنبي كان يتخيل نفسه دولة حين قال «ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى.. عدوا له ما من صداقته بد»، لأن الفرد يمكن أن يتجاوز الصداقة الإجبارية بأقل الخسائر، وهذا السلوك مذموم في علاقات الناس لكنه مقبول ومطلوب في علاقات الدول.

بعيدا عن «الخيالات» أعلاه، فإنه من الواضح أني أتحدث عن السعودية، ومشكلة السعودية أنها كانت تتعامل في علاقتها الدولية بنبل الأفراد، وليس ببراغماتية الدول، ولذلك كثر الأنذال من حولها، الذين «يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي».

حين تعرضت منشآت النفط السعودية لاعتداء في الأيام الماضية كان «الأصدقاء» المفترضون على أنواع، فمنهم من رآها فرصة للابتزاز، ومنهم من أدان لأن الإدانة في مصلحته، ومنهم من أدان على استحياء بطريقة يمكن أن «يبررها» للطرف الآخر، ومنهم من صمت وكأن الاعتداء مجرد تصادم كواكب في مجرة بعيدة تسبح في الفضاء السحيق، إما لأن الأمر لا يعنيه أو لا ينطلق من «مبدأ»، ولكنه ينتظر النتائج ليقرر إلى أين يتجه.

والحقيقة أن علينا قبل لوم الآخرين ـ المستحق ـ أن نفكر في الأسباب التي تجعل الآخرين يتعاملون معنا بهذه الطريقة. ولماذا يتم تجاهل الإجرام الإيراني الواضح الفاضح الذي لن يحتاج إلى دليل وكأننا نتحدث عن سرقة بقالة في شارع خلفي في مدينة نائية. وليس يصح في الأفهام شيء إذا احتاج «الخراب» إلى دليل.

والحق أني لا أعلم الأسباب على وجه اليقين، ولكن هذا لا يعني أنها غير موجودة، هناك من هو معني بالبحث عنها ومعالجتها، وأحمد الله ـ مجددا ـ أني لست المعني بذلك.

وعلى أي حال..

وجه التشابه بين الأفراد والدول أن التعلم من الأحداث والأخطاء متاح وممكن، سواء كنت فردا أو دولة، ومع أني لا أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، إلا أني قليل التعلم من أخطائي، لكن لحسن حظ هذا الكوكب أني لست دولة، وتكرار أخطائي يضرني وحدي فقط. وأتخيل أن السعودية قادرة على أن يكون هدفها المستقبلي الواضح الجلي ألا تكون عرضة لابتزاز أحد، لا الأعداء ولا الأصدقاء ولا الضبابيين الذين لا يعرف أحد إلى أين يتجهون، وأن تردم إلى الأبد كل الجحور التي سبق أن لدغت منها.

agrni@