الرأي

ما هي الأولوية في تطوير المدن.. أولويات أساسية أم شكلية؟

فؤاد عسيري
سيناريو 1

افتتاح شارع جديد: التصوير ونشر الخبر موضوع مهم للقائمين عليه والشجر يحتاج لسنوات لكي يملأ جزءا من الصورة. لا مفر من الاستعانة بالنخيل لأنه يمكن نقل عشرات منها كل منها بطول عدة أمتار في شاحنة واحدة، بينما لا يمكن نقل الأشجار الكبيرة، مع أن النخل لا ينقي تلوث الهواء ولا يخفض درجة حرارته ولا حرارة السطح مثل الأشجار الكبيرة.

المشكلة الأخرى الأساسية أن موقع غرس النخل في منتصف الشارع، وهو موقع خاطئ لأنه لا يوفر ظل ولا حماية للمشاة على الرصيف (على افتراض أن رصيف المشاة موجود ويربط المكونات الحضرية ببعضها)، كما أن الزراعة وسط الشارع لا تحدد معالم الشارع في مجال رؤية السائق حتى يحفزه ذلك على تخفيف السرعة، ولكن ربما يكون منتصف الشارع أفضل للتصوير لأن منطقة وسط الشارع فارغة وتسمح بظهور أكبر للنخل في الصورة. نلاحظ مما سبق أن عامل تحقيق الوظيفة من التشجير مفقود في الشوارع، وهي وظيفة أساسية تخدم السكان وحلت مكانها أولوية غير مهمة لهم.

سيناريو 2

ازدحام مروري: السبب واضح وهو أن الطلب على الطرق باستخدام المركبات فقط متزايد دائما، ومهما تمت توسعة الطرق والشوارع فإن الطاقة الاستيعابية الجديدة سوف تستهلك سريعا. الحل هو الاستعانة بحلول ذكية وسينسورز sensors وكاميرات مراقبة ومحاولة وضع نظام تفويج مروري ذكي في هذا الشارع وتصوير ذلك الإنجاز ونشره في الإعلام.

بالطبع هذا الحل سريع ومبهر ويمكن تسويقه إلا أن هذا الحل في معظم الحالات ينقل الازدحام من شارع إلى آخر ليس فيه حلول ذكية. هذا الحل يذكرني بشخص لديه باب مخلوع ولكن اختار أن يضع فيه قفلا الكترونيا بدل أن يصلح الباب نفسه، أو أن معلما غير مؤهل وغير كفء يحرص على استخدام سبورة الكترونية.

نلاحظ مما سبق غياب تحقيق الهدف المنشود وهو تخفيف الازدحام بدل نقله من شارع رئيس إلى فرعي. ولا يمكن ذلك إطلاقا دون تخفيف عدد المركبات وعدد الرحلات لكل فرد ومسافة كل رحلة، ودون استراتيجية تكاملية للنقل، والتي تقلل الحاجة للتنقل عبر حلول حضرية متعددة سأتحدث عنها في مقالي المقبل.

سيناريو 3

مشكلة سكنية: الحل استحداث أحياء في ضواحي المدن وهي مناطق صحراوية غالبا وتطويرها يكلف الكثير، فيها مساكن فقط، والمساكن لا تؤوي عددا كبيرا من السكان، أي إنها منخفضة الكثافة، ثم يتم تصوير ذلك ونشره في الإعلام.

هذا الحل سيشكل مشكلة في النقل والترابط الاجتماعي والابتعاد عن فرص العمل والمرافق الصحية والمتنزهات وغيرها.

ولو فكرنا في حل آخر قد يكون موجودا وسط المدن لعرفنا أن هناك 970 ألف وحدة سكنية مهجورة في المدن السعودية، وهي تكفي لإيواء بين مليونين و3 ملايين شخص (بحسب الهيئة العامة للإحصاء، إحصاء 2010)، وربما هذا العدد ارتفع اليوم لأكثر من مليون ونصف المليون. بالطبع لم توضح الهيئة حالة الوحدات السكنية ولكن أوضحت أن ثلثها فقط منازل شعبية يمكن إخراجها من الإحصائية.

لا بد أيضا من تشريع قانون يسمح للإسكان بشراء هذه الوحدات لتطبيق سياسية Infill strategy لأن معظم هذه الوحدات تقع في مراكز المدن حيث المرافق والخدمات الحيوية والبنية التحتية الجاهزة.

سيناريو 4

أراضي وسط الأحياء: فيها حشائش وأعشاب طبيعية تقلل من امتصاص حرارة أشعة الشمس حتى لا تعكسها ليلا وكذلك تساعد على تماسك التربة، ولكن لا بد من جزها كل فترة بشيول المقاول ثم يأتي المصور ويلتقط صورا وينشرها ويكتب تعليقا: قامت... بتحسين التلوث البصري. بعد ذلك تهب الرياح على الأرض التي صارت ذات تربة عارية ومكشوفة وتحملها للشوارع في الحي ليكنسها عمال النظافة لاحقا بعقد مختلف.

هل هذا فعلا سيغير حياة السكان أم يقلل انبعاثات الغازات الضارة بسبب سطوة المركبات في المدينة؟ معلومة قد لا تكون مهمة لمن يهتم كثيرا بالتلوث البصري، بحسب WHO منظمة الصحة العالمية يموت سنويا حول العالم 7 ملايين شخص بسبب تلوث الهواء في المدن، ولا أحد يموت بسبب التلوث البصري.

ونعود للسؤال الأساسي: ما هي الأولوية في تطوير المدن، أولويات أساسية أم شكلية؟

FouadUrbanist@