الرأي

ابن ربعي يصل إلى قاعة المؤتمر!

عبدالله المزهر
هذه الأيام لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص في كل أرجاء المعمورة، فالكل لديه أسبابه الخاصة لقتل الكل، وعندما يرتفع صوت الرصاص يخفت صوت الحقيقة حتى لا يكاد يسمعه أحد.

ويأتمر المؤتمرون ويجتمع المجتمعون للبحث عن أكبر المكاسب التي يريدون جنيها من الاقتتال، وفي الغالب الأعم فإن المتحلقين حول طاولات الاجتماعات يناقشون أمور الحرب هم أكثر الناس استفادة من استمرارها، لأن الذين يقتلون فعليا ويدفعون أعمارهم ثمنا للحرب لا يعرفون الطريق إلى غرف الاجتماعات لاستخدامها كملاجئ على الأقل.

والذين لا يشاركون في الحرب فعليا يركزون جهودهم على أن تبقى مشتعلة، لأنهم يتعاملون مع العالم كصاحب ورشة إصلاح السيارات، يقول إنه يتمنى السلامة للجميع لكن أمنياته هذه لو تحققت ولم يعد الناس يرتكبون الحوادث لتسبب ذلك في إفلاسه وإغلاق ورشته.

وللحرب وجوه عدة، كلها قبيحة، وإن كان القتل والتشريد وضياع الأحلام وموت الأمنيات هو الوجه الأبرز والأكثر قبحا، فإن الوجه الآخر هو أنها «سبوبة» لكثير من الخلق، ينظرون إليها كمشروع تجاري مضمون الربح، وقد تكون تجارة الأسلحة هي الأكثر شهرة في أوقات الحرب، لكن تجارة المواقف تجارة لا تقل عنها ربحا، بل إنها أكثر تأثيرا وربحا وأشد فتكا ومخاطرها أقل من بيع السلاح.

والشيء بالشيء يذكر، فإن أسطورتي المحببة والذي كتبت عنه أكثر من مرة هو شبث بن ربعي ويقال إن شبث، رحمه الله تعالى، كان مؤذنا لسجاح وليس لديه شك في نبوتها، ثم تاب عن ذلك، وكان ثوريا مع الذين خرجوا على الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه وشارك في قتله، ثم قرر أن يقاتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، مطالبا بدم عثمان، ثم رأى أن الأصح أن يقف مع علي، وبعدها بفترة رأى أن الأكثر صحة هو أن يخرج على علي مع الخوارج، ثم رجع عن ذلك وكان جنديا في الجيش الذي قاتل الحسين، رضي الله عنه، وبعدها قرر أن يطالب بدم الحسين مع المطالبين، ثم أصبح من أتباع المختار الثقفي ثم تاب وكان مع الذين قاتلوا المختار وهكذا أمضى حياته حتى توفي، رحمه الله. ولو امتد به العمر حتى اليوم لكان الآن في جدة يحضر اجتماعات رأب الصدع، وسيألف هناك كثيرا من الوجوه التي اهتدت بهديه وسارت على نهجه العظيم.

وعلى أي حال ..

الأنانية هي أم مشاكل الحياة جميعها دون استثناء، لولا الأنانية ما استبد مستبد ولا ظلم ظالم ولا قتل قاتل ولا سرق لص، ولولا الأنانية لتفكر أمراء الحروب وتجار المواقف في الناس الذين يموتون، لآذاهم منظر الذين يدفعون ثمن حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، الذين يقتلهم الرصاص والجوع والمرض والفقر، لولا الأنانية لما خان خائن وباع أهله للغرباء حتى يرضي جشعه، اقتلوا الأنانية في عقولكم وستنتهي الحرب من تلقاء نفسها.

agrni@