الرأي

العلم على الطريقة الزعاقية!

عبدالحليم البراك
لا شك أن الدكتور خالد الزعاق شخص لطيف للغاية، ولا شك أن لديه رسالة علمية يوصلها بطريقة غير علمية، لكنها لطيفة للغاية، والذي لا شك أيضا فيه أنه خفيف الروح وممثل بارع وصبور، بل هو سيناريست فاشل وغير محترف (هذا ليس انتقاصا منه، بل اجتهاده محل تقدير، لأن الهدف المعلومات وليس التمثيل) لأنه اعتاد أن يضع المعلومة في قالبين أحدهما درامي والآخر كوميدي، وهذا الكوكتيل يجمع أكثر من علم في وقت واحد تشويقا للناس، ويقدم العلم كوجبة سريعة، لأن مادته العلمية بسيطة مشوقة وسريعة الهضم، بل قصيرة الوقت، لكنها أيضا خفيفة السعرات الحرارية العلمية.

عموما، هو بذلك يجذب من يستهويه هذا الأمر بشكل مباشر، كما يجذب أولئك الذين يحبون أن يكونوا مادة شهيرة في منصات التواصل الاجتماعي لتقليده، فيكتسبون الشهرة من خلاله، زعما منهم أنهم يتندرون به، وهم بذلك يكشفون عن موهبة أخرى للزعاق، وهي موهبة الصبر والابتسامة عندما يرى ما يفعلون، ولا يزيده ذلك إلا خفة دم ثم حضورا آخر، ثم علما يقوله للناس، ويعلمه الناس!

الناس تهتم بالطقس، وهو جزء من اهتمامهم بالمستقبل، فهم شغوفون باستشرافه، فيدرس الناس الاقتصاد ليستشرفوا المستقبل، والتأمين الاكتوراي للتنبؤ بمستقبل التأمين وتقدير المخاطر وإدارتها، والطقس كذلك، الناس تحب أن تعرف ماذا ينتظرها في مستقبلها القريب من الأجواء من انفراج للحرارة أو قدوم للشتاء أو تحرّي أيام المطر، لذلك يلعب الدكتور الزعاق على هذا الوتر اللطيف، فينقل التاريخ لهم من خلال الطقس، وأشعار العرب من خلال الطقس، وكذلك بعض قصص التاريخ من خلال مواضيع المناخ أيضا، ولو طلبنا منه أن ينقل لنا علوم الرياضيات والفلسفة على هيئة قصص تاريخية أو يدمجها مع أخبار الطقس لفعل! إلا أنني أشك أن يفعل ذلك مع العلوم الطبية، إذ لا أتخيله بين الناقة والجمل ويشرح أحد أنواع الأمراض السرطانية!

الذي لا شك فيه أنه يحاول أن يصنع الثنائيات في العلم، فلا يكتفي بنفسه، بل يستضيف الآخر الذي يكسر فيه الروتين الذي يستقبله فيه الناس، فيعمل ثنائيا مرحا مع الدكتور عيد اليحيى الذي يقاسمه الأسلوب نفسه مع اختلاف التخصص، بينما أحدهما يغلب العامية والآخر يغلب الفصحى، وكثيرا ما يتم التداخل بينهما، والذي أتمناه أن نرى ثلاثية ورباعية.

وقد يطير العلم في تقنيات التواصل الاجتماعي ذات الصبغة (الفلاشية) التي لا تدوم كثيرا في ذاكرة الناس من جهة، أو في أرشفة التاريخ، ولو رصدها كلها وجمعها في أرشيف موحد له في إحدى وسائل التخزين كالمدونات أو اليوتيوب، لربما وجدت الأجيال القادمة ما تستعين به لفهم التراث أكثر، بشرط أن يستخدم لغة يفهمها رجال المستقبل، وألا تقتصر لغته على لهجة واحدة لأن غيرهم قد لا يفهمها أو قد لا تروق له، أو قد لا يستسيغها!

أخيرا، هذا الرجل يقدم علما مميزا حتى لو اختلفنا فيه أو معه، إنه يقدم مادة علمية لا تقل أهميتها عن أي علم آخر، فلكيا أو تاريخيا، ويتميز عن أصحاب الحسابات التي تضيع وقت الناس فيما لا ينفع الناس، ولو لم يبق للناس من الزعاق إلا حفظ اللهجة لكفاه!