الرأي

الثورة الجنسية وحقوق المرأة

رابعة منصور
ليتنا كنا مع الخيل يا شقرا

ولا كنا ”like a bull at a gate ”!!

حظيت ما يسمى بـ «النسوية» التي نصبت نفسها متحدثا باسم حقوق المرأة بعديد من الانتقادات والرفض. أحد الأسباب القوية التي استجلبت الانتقادات لما يسمى «النسوية» هو الطرح اللافت لمحور العلاقات الجسدية. ولأكون على بينة تأملت كثيرا قبل أن أكتب هذا المقال في حسابات محسوبة على مسمى»النسوية» والتي طرحت مواضيع الثورة الجنسية والعذرية، وما توصلتُ إليه أن طرح تلك الحسابات التي تحظى بشعبية يعكسها عدد المتابعين، هو طرح أشخاص محدثي اطلاع اتخذوا من الحركة النسوية الغربية خارطة طريق حرفية، وغياب النضج الثقافي والتفكير المنطقي جعل من طرح ذلك الطرح «كالثور على البوابة» أو ”like a bull at a gate”! وهو مثل أسترالي يستخدم حين يفعل أحدهم أمرا ما دون تمحيص.

بدأت الثورة الجنسية في ستينات القرن العشرين وانتهت في ثمانيناته، ويعود تعبير «الثورة الجنسية» لعنوان كتاب عالم النفس النمساوي فيلهلم رايش، وأدت تلك الحركة إلى قبول سلوكيات جنسية خارج الزواج وخارج المفهوم التقليدي للعلاقات الجسدية.

والحديث عن الثورة الجنسية يستلزم ذكر ثلاث مراحل، ألا وهي: مرحلة ما قبل الثورة الجنسية، وما تمخض عنها، ومرحلة التقييم أو المراجعة التي يدور حولها هذا المقال.

الثورة الجنسية تولدت عن وجود ثقافتين متطرفتين إن صح التعبير، تناقض كل منهما الأخرى. الأولى ثقافة المسيحية في العصور الوسطى التي تنكر الرغبات الجسدية وتتدخل في شكل العلاقة الحميمية بين الأزواج وتقحم الخطيئة والعقاب فيها، فالكنيسة كانت ترى أن وظيفة العلاقة الحميمية هي الإنجاب فقط، لدرجة أن المرأة كانت تتهم بالزنا أو بالخيانة الزوجية حتى في حالات الاغتصاب التي تتسبب في حملها. والثقافة الأخرى هي العلمانية التي كرست أن الإنسان كائن مادي بحت خال من الروح.

إثر شيوع الثورة الجنسية شهدت الستينات أكبر عدد من حالات الطلاق، كما انخفض معدل الزواج بشكل ملحوظ، وترافق مع ذلك انتشار كل المواد الإعلامية التي تروج للإباحية وتطبعها.

التخمة الجنسية ومرحلة مراجعة آثار الثورة الجنسية

ترى الكاتبة الكندية جوسلين روبرت المتخصصة في علم الطب الجنسي في كتابها «ممارسة الجنس بحثا عن الحب - من الثورة الجنسية إلى الانحدار الجنسي، 2005» أن الحرمان الجنسي لم يعد المشكلة لأننا نعيش في عصر استبداد الشهوة الجنسية في صور تجارية مزدهرة تفوق أرباحها مداخيل تجارة الأسلحة. استبداد تغرقنا به يوميا كل تفاصيل الإعلانات والموضة وموسيقى البوب، سواء في الإعلام التقليدي أو الإعلام الإنترنتي الجديد الذي عمق المشكلة أكثر، وحول العلاقة الحميمة لحرمان مرة أخرى، لأنها صارت مجرد لقاء مادي جاف من أي عاطفة.

ويؤكد عالم النفس والفيلسوف الإنساني الألماني الأمريكي إريك فروم في كتابة المترجم للعربية «فن الحب»، أن الناس بسبب ما يروج في الإعلام صاروا يربطون ذهنيا بين الرغبة الجنسية وفكرة الحب، وبناء على ذلك يعتقدون أن الحب بين شخصين هو في الاستمتاع الجسدي، في حين أنه يمكن أن يرتبط أحدهما بالآخر جسديا بقصد إلحاق الضرر به أو ربما تدميره حتى، أو لأي سبب آخر لا علاقة له بالحب.

وترى الكاتبة النسوية الأمريكية بيتي فريدان التي كتبت يوما عن تحرير جسد المرأة، في كتابها (Beyond Gender) أن الرجال أمعنوا في تعميق معاناة المرأة لأنهم استخدموا الثورة الجنسية لممارسة العلاقات، سواء مع استخدام وسائل منع الحمل أو عدم استخدامها، دون تحمل أي أعباء، إضافة للتأكيد على عدم رغبتهم في أن يصبحوا آباء! لذلك توصلت في كتابها إلى أن صالح المرأة يكمن في إعادة دعم مفهوم الأسرة المتراحمة لاسترداد المجتمع المتراحم.

ويمكن تلخيص ما وقع على المرأة من ضرر جراء الثورة الجنسية في:

1. الثورة الجنسية جعلت من العلاقة الجسدية مجرد علاقة عابرة دون هدف أو التزام، مما أدى لانخفاض معدلات الزواج.

2. ارتفاع عدد حالات الطلاق، إذ أكد محامو الطلاق أن إدمان الإباحية سبب أكثر من ثلثي الحالات.

3. معاناة النساء بسبب تعرضهن لضغوط من شركائهن لمماهاة المشاهد الإباحية، وذكر البروفيسور الأمريكي ريتشارد بولان أن تحقيقا أجري أظهر صحة هذه الحقيقة.

4. انتشرت الإباحية بشكل وصل حتى للأطفال من خلال هواتفهم الذكية، مما أدى لخلق مرض إدمان الإباحية.

5. تحمل المرأة منفردة التبعات الصحية والنفسية لعمليات الإجهاض الناتج عن رفع الحظر عن الإجهاض في ظل تخلي الرجال عن كل الالتزامات.

6. معاناة الأم العازبة معنويا وماديا في ظل رفض فكرة الأبوة من قبل بعض الشركاء، وفي جانب آخر تعاني الأم العازبة من الآراء المتزايدة ضمن مجتمع الرجال الذي يحذر من المواعدة أو الزواج من الأم العازبة.

7. التبعات النفسية السيئة على الأطفال دون آباء على المديين القصير والبعيد، والتي أقرتها كثير من الأبحاث.

8. ارتفاع معدلات المصابين بالأمراض المنقولة بالاتصال الجسدي كالورم الحليمي البشري، داء المشعرات، الكلاميديا، الهربس التناسلي، السيلان، التهاب الكبد الفيروسي، الزهري.

9. كشفت دراسات عدة عن التفكير في الانتحار نتيجة لانخفاض احترام الذات، وما يتبعه من استهلاك الكحول أو المخدرات لدى فئات ممن يعيشون تجربة العلاقات الجسدية العابرة والفاشلة.

10. مساهمة الإباحية التي أوجدتها الثورة الجنسية في العنف الجنسي الذي تتعرض له النساء، سواء كمشاركة مباشرة أو كتأثر غير مباشر وصولا لحالات الاغتصاب.

11. أثبتت الدراسات أن الإباحية تساهم في اكتساب الشذوذ الجنسي أو ما يسمى «المثلية».

وكنتيجة لكل ما تقدم ظهرت في أمريكا - أحد معاقل الثورة الجنسية - حركات تدعو وتشجع على استمساك المراهقين بالعذرية، وعدم ممارسة العلاقات الجسدية خارج إطار الزواج، وذلك عن طريق برامج تشترك فيها العديد من الهيئات والجمعيات والمؤسسات التعليمية وصلت إلى 700 برنامج، توجه تلك البرامج للطلبة تحت شعارات مختلفة مثل (True love wait).

طالبت حركات «العفة» بوجود برامجها الداعية للتعاون على احترام والالتزام الجماعي بالعفة كما توجد المناهج التي تحث على استخدام الواقي الذكري. نجحت تلك الحركات ووجدت إقبالا متزايدا من الأبناء والآباء وتمت مساندة بعضها حكوميا، ودعمها بعض المشاهير مثل مايلي سايروس، سيلينا غوميز، جيسيكا سيمبسون، جوردين سباركس، جوناس براذرز، الذين ارتدوا ما يسمى بخواتم النقاء كرمز لتبني مبدأ العفة وعدم ممارسة العلاقة الجسدية خارج إطار الزواج.

ختاما، أنا لست هنا في صراع مع الغرب لأثبت أنهم الأسوأ ونحن الأفضل، لأن ذلك تحديدا ما أنتقده فيمن أعتبرهم مشدوهين بالغرب بكل تفاصيله للدرجة التي تجعلهم يرون أن في استنساخ الغرب سبيل الرقي؛ فمن غير المعقول أنه في الوقت الذي يقيم فيه الغرب ويقف على ما مر به من أخطاء وتجرى فيه الدراسات عن ارتباط الصحة العقلية وتعدد العلاقات الجسدية ومستويات الانتحار لتطوير رؤيتهم ومنهج حياتهم ومجابهة المشكلات الواقعية؛ نطالب نحن بكل جهل بأن نكون «مع الخيل يا شقرا»! ونشجع على استنساخ تجربة في بلدان تعاني فيها المرأة أصلا، بدلا من أن نستفيد من نقدهم الذاتي لنتفادى العبث باستقرار المجتمع الحاصل أساسا وتشهد له معدلات الطلاق غير المسبوقة.

للعلاقة الجسدية أبعاد أعمق بكثير من مجرد متعة لحظية، هي علاقة ارتباط غير مادية تشمل جوانب نفسية ذات تأثير بعيد المدى على أطرافها، ومن هنا كان مكمن خصوصية وفرادة هذه العلاقة في كل الثقافات وكل الأزمنة إلى أن سقطت قدسيتها المستمدة من قدسية جسد وأحاسيس الإنسان في عصر «السلطة» الذي نعيشه! ألم يكن الأحرى بمن يطرح نفسه كحريص على حق المرأة في ضمان استقرارها العائلي والنفسي إضافة لسلامة جسدها؛ أن يطالب بما يعدل ميزان الهزل الذي يعبث بهذه العلاقة، بدل أن يروج لما يزيد السوء سوءا؟!

@Rabeahmansoor