موضوعات الخاصة

"بن لادن لبنان" يورط حزب الله

فورين بوليسي تحذر من الخلايا النائمة في حال اندلاع حرب مع إيران

أظهرت اعترافات عضو حزب الله علي كوراني أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي توغل الحزب الإرهابي عبر عدد من الخلايا النائمة داخل الولايات المتحدة، وأكدت أن الخطر الذي تشكله الميليشيات المسلحة التابعة لإيران يتجاوز منطقة الخليج ويصل إلى أمريكا الجنوبية وأوروبا وعدد كبير من دول العالم.

وحذرت مجلة فورين بوليسي في تقرير لها من «الخلايا النائمة» التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وتنتمي إلى أصول أخرى، والتي يمكن أن تتحرك ضد المصالح الأمريكية في حال اندلاع حرب مع إيران في ظل التوترات الأخيرة التي تشهدها المنطقة.

وبات الأمريكي من أصل لبناني علي كوراني (34 عاما)، الذي يحاكم في نيويورك بتهم تتعلق بالإرهاب قد يكون عقوبتها السجن مدى الحياة، يمثل حالة صريحة للخلايا النائمة في أمريكا، والتي تشكل خطرا داهما.

معلومات مثيرة للقلق

تقارير نشاط حزب الله في أمريكا الشمالية ليست جديدة على الرغم من أنها تميل إلى التركيز على جمع وغسل الأموال والمشتريات أو غيرها من الأنشطة اللوجستية، من فانكوفر إلى ميامي، لكن كشفت الملاحقة الجنائية والإدانة في نيويورك لعضو حزب الله علي كوراني عن معلومات جديدة مقلقة حول مدى عمليات وأنشطة حزب الله في الولايات المتحدة وكندا.

وقاد اعتقال كوراني مع أحد عملاء حزب الله (سامر الدبيك) مجتمع الاستخبارات الأمريكي إلى إعادة النظر في تقييمه طويل الأمد، بأن حزب الله من غير المرجح أن يهاجم الولايات المتحدة الأمريكية ما لم تر الميليشيات الإرهابية المسلحة أن واشنطن تتخذ إجراءات تهدد وجوده أو الدولة التي ترعاه (إيران).

وفي أعقاب اعتقالات كوراني والدبيك قال مدير المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب في أكتوبر 2017 «إن تقييمنا أن حزب الله مصمم على منح نفسه خيار وطن محتمل كعنصر حاسم في كتابه عن الإرهاب». في ذلك الوقت تم الإعلان عن القليل من المعلومات الأساسية التي أدت إلى هذا التقييم الجديد، ولكن في 16 مايو أصدرت هيئة محلفين في نيويورك أحكاما مذنبة في جميع التهم الواردة في لائحة الاتهام ضد كوراني، بما في ذلك التهم الإرهابية المتعلقة بمراقبته لمكتب التحقيقات الفيدرالي ومكاتب الخدمة السرية الأمريكية، وكذلك مستودع أسلحة الجيش الأمريكي، كل ذلك في مدينة نيويورك.

كيف بدأت قصة كوراني؟

بدأت قصة كوراني مع السلطات الأمريكية قبل عامين ونصف العام تقريبا، عندما اقترب منه عميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وقال إنه يرغب في التحدث إليه. رافق العميل كوراني من مقهى ستارباكس حيث كان إلى مطعم (ماكدونالدز) قريب، حيث كان هناك عميلان آخران في الانتظار. هؤلاء أبلغوا الرجل أنهم على «علم بارتباطه بحزب الله»، وطلبوا منه في لقاءات لاحقة خلال عام 2016 أن ينضم إلى مكتب (FBI) للعمل مخبرا، حسب ما قال كوراني خلال إحدى إفاداته بعد اعتقاله.

كوراني نفى في بادئ الأمر علاقته بحزب الله وقال إنه أبلغ أحد العملاء بأن «لديهم الرجل الخطأ»، لكن النفي القاطع تحول بعد عام إلى رغبة في العمل مع المكتب بشكل سري مقابل ما ظن أنها ستكون حصانة له من المتابعة القانونية ومساعدة السلطات له في استرجاع طفليه اللذين أخذتهما زوجته بعيدا عنه بعد أن قررت الاستقرار في كندا.

اعترف كوراني بعد حوالي عام على لقاء مكدونالدز بأنه ظل لسنوات «عميلا نائما» لحزب الله، يمده بمعلومات حول أهداف محتملة، بينها مطار كندي الدولي وأحد مراكز الجهاز السري في بروكلين والبناية التي تحتضن مكاتب FBI في نيويورك والقنصلية الإسرائيلية في المدينة، حسب وثائق المحكمة.

عمليات كوراني في أمريكا

نفذ علي كوراني عمليات عدة كعميل لحزب الله على المدى الطويل نيابة عن عنصر التخطيط الخارجي، مثل تحديد الإسرائيليين في نيويورك، الذين يمكن أن يستهدفهم حزب الله، والعثور على أشخاص يمكنونه من شراء أسلحة يستطيع الحزب تخزينها في المنطقة.

وحدثت معظم أنشطته في الولايات المتحدة، لكن حزب الله أرسل كوراني أيضا إلى الصين، حيث كانت المجموعة قد اشترت من قبل مواد كيميائية تستخدم لصنع قنابل من النوع الذي صنعته الميليشيات الإرهابية في بلغاريا وقبرص وتايلاند، حيث أسفر تفجير 2012 في بورغاس (بلغاريا) عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم المفجر و32 جريحا، وتم العثور على مواد كيماوية لصنع القنابل من النوع نفسه في تايلاند 2012 وفي قبرص في عامي 2012 و 2015، عندما تم إحباط المؤامرات هناك. كما أرسل حزب الله كوراني في مهام عملية إلى كندا، ووصف نفسه في مقابلات مع عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه جزء من «خلية نائمة».

وقال مساعد المدعي العام الأمريكي للأمن القومي جون ديمرز «أثناء وجوده في الولايات المتحدة عمل كوراني كضابط في حزب الله لمساعدة المنظمة الإرهابية الأجنبية على الاستعداد لهجمات محتملة في المستقبل ضد الولايات المتحدة»، ومن بين ذلك مبان تضم مكتب التحقيقات الفيدرالي ومكتب المخابرات الأمريكية في مانهاتن، بالإضافة إلى مطار جون إف كينيدي الدولي في نيويورك ومستودع للجيش الأمريكي.

بن لادن لبنان

ينتمي كوراني إلى عائلة معروفة في دوائر حزب الله، وصفها لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأنها «بن لادن لبنان»، وقد التحق أولا بمعسكر تدريب لحزب الله عندما كان مراهقا، لكن المجموعة جندته فقط في وحدة العمليات الخارجية التابعة لحزب الله، والمعروفة بـ «الوحدة 910».

ادعى كوراني أنه سعى للحصول على صفقة مقابل لم شمله مع زوجته وأطفاله الذين تركوه وكانوا يقيمون في كندا، علاوة على ذلك، حجب المعلومات الأساسية وحاول استخدام هذه الاجتماعات للحصول على معلومات من الوكلاء الذين قابلوه، كما شملت الأدلة في المحاكمة مواد من كمبيوتر كوراني المحمول، وبريده الالكتروني وسجلاته على فيس بوك، وملاحظات ومواد أخرى صودرت من شقته.

كانت خطوته الأولى هي الحصول على الجنسية الأمريكية وتأمين جواز سفر أمريكي، وهو ما فعله من أجل حزب الله في 2009. أهمل ذكر الظروف في النموذج، حيث سئل عما إذا كانت لديه صلات بأي منظمة إرهابية، وكان أقام بالفعل إقامة قانونية حصل عليها من خلال والده.

في وقت لاحق خلال عام 2013 تقدم بطلب للحصول على بطاقة جواز سفر تسمح له بعبور الحدود الأمريكية الكندية أو الولايات المتحدة المكسيكية، وبهذه الطريقة، إذا صادرت السلطات جواز سفره الأمريكي أثناء سفره إلى الخارج، فلا يزال بإمكانه التسلل إلى الولايات المتحدة عن طريق السفر إلى كندا أو المكسيك بجواز سفره اللبناني وعبوره مرة أخرى إلى الولايات المتحدة برا باستخدام البطاقة.

كندا وحزب الله

حذر كوراني عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) من أن حزب الله «أكثر نشاطا في كندا مما كان عليه في الولايات المتحدة»، كما قال أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين قابلوه خلال محاكمته، واحتلت كندا مكانة كبيرة في خطط كوراني التشغيلية، ففي عام 2012 تزوج من مواطنة كندية لبنانية. وأوضح مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه ومعه عناصر حزب الله ناقشوا على وجه التحديد الفائدة العملية المتمثلة في إقامة روابط عائلية مع كندا، لأنه «لن يبدو مشبوها أو غريبا إذا كان يريد السفر إلى كندا بانتظام».

وكانت إحدى المهام التي كلف بها حزب الله كوراني هي جمع معلومات مفصلة عن مطارين دوليين، هما مطار جون كنيدي في نيويورك ومطار بيرسون الدولي في تورنتو، وبناء على وثائق سفره أظهر ممثلو الادعاء في الولايات المتحدة أن كوراني سافر عبر JFK 19 مرة وعبر بيرسون سبع مرات.

وقال كوراني لمكتب التحقيقات الفيدرالي إنه قدم لحزب الله تفاصيل حول الإجراءات الأمنية والزي الرسمي الذي يرتديه ضباط الأمن، وما إذا كان الضباط مسلحين أم لا. وقال كوراني لمكتب التحقيقات الفيدرالي إنه يركز على نقاط الخروج ونقاط التفتيش الأمنية ومواقع الكاميرات وإجراءات المطالبة بالأمتعة وما هي الأسئلة التي يطرحها حراس المطار.

وبصرف النظر عن إجراء المراقبة بنفسه، طلب كوراني من موظفي المطار الحصول على معلومات، فهم بعضهم أنهم كانوا يقدمون معلومات لحزب الله، بينما كان آخرون يرغبون في ذلك. وعلى سبيل المثال أخبر كوراني مكتب التحقيقات الفيدرالي عن موظف مطار واحد في كندا، والذي يبدو أنه قدم عن غير قصد معلومات لكوراني عن أمن المطارات الكندي. كان الاثنان يدخنان الشيشة معا، وأجاب موظف المطار بالإجابة على أسئلة كوراني حول مواقع الكاميرات ومقاييس المغنطيسية، وقال كوراني إنه كان بإمكانه أن يطلب من الرجل حمل حقيبة على متن طائرة لصالحه.

وفقا لبيان المدعي العام الأمريكي أثناء المحاكمة، كان حزب الله «يفكر في كيفية الحصول على الإرهابيين، والأسلحة من لبنان إلى كندا، ومن لبنان إلى الولايات المتحدة».

عمليات ضد أمريكا

في التسعينات قللت وكالات الاستخبارات الأمريكية من احتمال قيام حزب الله بمهاجمة المصالح الأمريكية، ما لم تهدد واشنطن حزب الله مباشرة.

وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر بدأت الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب في التأثير على حزب الله، وبعد مرور عام أبلغ مكتب التحقيقات الفيدرالي الكونجرس في 2002 أن عناصر حزب الله «كلفوا بمراقبة الأهداف المحتملة في الولايات المتحدة»، ولكن في تلك الحالات الماضية خلصت تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أنه «يبدو أن هذه المهام حتى الآن كانت مقصودة، كأداة لفحص ولاء الفرد لحزب الله وإيران».

تغيرت أهداف المجموعة إلى حد كبير بين عامي 2002 و2008. وأبلغ كوراني مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه «ستكون هناك بعض السيناريوهات التي تتطلب اتخاذ إجراء أو سلوك من قبل الذين ينتمون إلى الخلية». وقال كوراني إنه في حالة ذهاب الولايات المتحدة وإيران إلى الحرب فإن الخلية النائمة في الولايات المتحدة ستظهر على السطح.

وأضاف كوراني أنه إذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ بعض الإجراءات غير المحددة التي تستهدف حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله نفسه أو المصالح الإيرانية «في تلك السيناريوهات ستنطلق الخلية النائمة أيضا».