الرأي

الاقتصاد السعودي والأسواق العالمية

محمد عقيل
بات واضحا أن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، عراب رؤية المملكة 2030، كان على مدار السنوات الثلاث الماضية يرى المستقبل بصورة أعمق وأبعد مما كنا نحلم به أو نتخيله، فقد تحولت تصريحاته المتفائلة التي ظننا أنها تهدف إلى تحفيز أبناء هذا الوطن واستنهاض طاقتهم، إلى واقع وحقيقة.

توالت المكاسب الاقتصادية بصورة أسرع مما كنا نتوقع، فقد أعلن وزير المالية محمد الجدعان، نجاح تسعير الطرح الأول للسندات الدولية المقومة بعملة اليورو، مما يؤكد مكانة المملكة كمصدر مرجعي رائد في المنطقة، ومصدر مهم في أسواق الأوراق المالية الدولية، حيث يساهم الطرح في تأمين احتياجات المملكة من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد مع مخاطر أقل.

شهدت الأيام الأولى طلبات اكتتاب تجاوزت 13.5 مليار يورو، مما يبرز الطلب القوي من قبل المستثمرين في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مستوى الثقة العالي من المستثمرين الأوروبيين بالأوراق المالية للحكومة السعودية، حيث بلغ إجمالي الطرح الذي أقدمت عليه وزارة المالية 3 مليارات يورو (ما يعادل 12.70 مليار ريال سعودي) مقسمة على شريحتين.

وجاء النجاح المالي السعودي الجديد بعد أشهر قليلة من تحقيق أول فائض اقتصادي في الميزانية منذ عام 2014، خلال الربع الأول من العام الحالي، وبعد أن ارتقى السوق المالي السعودي إلى المؤشرات العالمية، ليحقق نقلة نوعية تزيد من التدفقات الاستثمارية القادمة في كل التوقعات، وتزيد من حجم التفاؤل بأن يكون الاقتصاد السعودي ضمن أهم 10 اقتصاديات في العالم خلال سنوات قليلة بإذن الله.

إنها خطوة غير مسبوقة، لن تؤدي فقط إلى رفع كفاءة السوق السعودي والتوجه إلى عملية تخصيص كبرى في عدد من الشركات والمرافق الحكومية والقطاعات التي لا تحقق الطموحات المرجوة، بل ستزيد أيضا من حجم السيولة، وستجعل السوق السعودي ضمن أعمق وأهم وأضخم الأسواق المالية العالمية، بعد أن بات مسجلا على مؤشر فوتسي راسل (FTSE Russell)، وإس آند بي داو جونز (S&P DJI) للأسواق الناشئة، ومورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال «MSCI».

لقد توقعت وكالة موديز العالمية المحايدة أن يؤدي هذا الارتقاء السريع للسوق السعودي الذي تمت مرحلته الأولى في 29 مايو الماضي إلى جذب المستثمرين الأجانب، وإحداث كثير من الشراكات بين مستثمرين سعوديين وجهات دولية، وقالت إن السوق المالي السعودي سيشهد تدفقات مالية نقدية تتراوح ما بين 30 إلى 40 مليار دولار (أي من 112 إلى 150 مليار ريال)، وقالت إن المرحلة الثانية التي ستبدأ في أغسطس المقبل، ستشهد مزيدا من التوسع الدولي وتدفق أكبر للاستثمارات.

المكاسب الاقتصادية التي يحققها هذا الترقي العالمي للسوق السعودي يترجم بوضوع الطموح الكبير الذي تبنيه رؤية الوطن، فهو يبني جسور تواصل مع المستثمرين الدوليين، ويعمل على تحسين آليات التداول ورفع مستوى الشفافية، ويعزز الحراك الاقتصادي الشامل ويحفز على مزيد من التدفقات النقدية، مع الإسراع في تخصيص عدد من الهيئات والشركات الحكومية الكبرى، للحفاظ على توازن السوق وزيادة تماسكه في حال ظهور الأزمات المفاجئة، علاوة طبعا على التوسع الكبير في السوق وزيادة عمقه، وانفتاحه الإيجابي على المجتمع الاقتصادي العالمي.