الرأي

السياسة المرتقبة للمسؤولية المجتمعية

آلاء لبني
خلال الأسابيع الماضية تناولت وسائل الإعلام خبر موافقة الشورى على مشروع نظام الهيئة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص.

النظام يتماشى مع رؤية 2030 والمواطنة المسؤولة، ومبدأ تحمل المسؤولية المشتركة تجاه الأعمال والمجتمع، سواء من الأفراد أو المجتمع المدني، وتمكين المسؤولية الاجتماعية من خلال رفع مستوى تحمل المواطن للمسؤولية، وتمكين الشركات من المساهمة في تعزيز المسؤولية الاجتماعية، بما لها من آثار على استدامة الاقتصاد الوطني وحماية البيئة.

في الوقت الراهن هناك مساع عديدة تبذل للتحول في مفهوم المسؤولية الاجتماعية على سبيل المثال:

الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس قامت بترجمة وتبني مواصفات الآيزو رقم 26000 للمسؤولية الاجتماعية لتكون أداة استرشادية للشركات. كما أن برنامج صندوق الاستثمارات العامة يدعو لتعزيز معايير المسؤولية الاجتماعية. ولائحة حوكمة الشركات لهيئة سوق المال تدعم المسؤولية الاجتماعية، وتحث على تقديم مبادرات اجتماعية بصفة استرشادية وليست إلزامية.

نعول كثيرا على تغيير الوضع الحالي، وأن تتحول ميزانيات المسؤولية الاجتماعية وبرامجها من التبرعات والهدايا، إلى مشاريع مجتمعية مستدامة، فمشاركة الشركات الوطنية والاستثمارية ضعيفة وتنحصر في إطار مساعي الشركات للتسويق لنفسها (إلا من رحم ربي).

ما نأمله تحفيز الشركات لتتبنى ممارسات الاستدامة، وتفصح عن أثر أنشطتها على البيئة والمجتمع، فمع الأسف في المملكة عدد الشركات التي تفصح عن ممارساتها وتقارير الاستدامة لا يصل حتى الـ 20 في أفضل الأحوال، مع أن تقارير الاستدامة إحدى السمات الأساسية للشركات العالمية ومبادرة الأسواق المالية المستدامة، فلماذا تحضر عالميا وتغيب محليا؟

ومما سيساعد في إيجاد الفرق تشجيع الشركات (الوطنية والاستثمارية)، وإلزامها بإصدار تقارير الاستدامة بشكل دوري، توضح أداءها وممارساتها المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وتحويل مبادرات المسؤولية المجتمعية إلى واقع ملموس يعمل على تحسين جودة الحياة، وبناء التنمية المستدامة.

ليس ما نطمح إليه أن تملأ أسماعنا أعداد المبادرات المجتمعية والأنشطة هنا وهناك، وتضيع معها حقيقة التزام الشركات بمعايير الإنتاج والاستهلاك المستدام، فالمسؤولية تجاه البيئة مثلا تنطلق من ممارساتها الإنتاجية كخفض الانبعاثات، والكفاءة في استهلاك الطاقة والمياه وزيادة المسطحات الخضراء..إلخ.

عالميا تجاوزت المسؤولية المجتمعية الشركات التجارية والكيانات الربحية، وشملت أيضا المنظمات والأجهزة والهيئات الحكومية، بحيث تسهم جميع القطاعات في تحمل مسؤوليتها، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة من أجل تحقيق رخاء للشعوب وحماية للبيئة.

لفت نظري ما نشرته جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 15 شوال في تصريح محمد التميمي مدير لجنة الشؤون الاجتماعية في مجلس الشورى «إن النظام يشمل جميع الجهات في القطاع الخاص في ضوء الاتجاه نحو تشكيل هيئة وطنية مستقلة ماليا وإداريا تتبع لمجلس الوزراء، تندرج مسؤولياتها حول المسؤولية الاجتماعية».

هذا التصريح يطرح عديدا من التساؤلات، منها:

- هل ستكون المسؤولية المجتمعية إلزامية بصفة قانونية أم طوعية اختيارية؟ فهناك فرق شاسع بين الاثنين!

الاختيارية الطوعية تحض الشركات على تعزيز المسؤولية المجتمعية وممارسات الاستدامة، وإن كانت إلزامية فما هي طريقة الإلزام وأسس الإنفاق وحجمه؟ بعض دول العالم تحدد الإنفاق في المسؤولية المجتمعية وفق الأرباح، ودول أخرى تلزم بإنفاق 2%.

- ما الجهة المسؤولة عن الهيئة وتفعيل النظام؟ هل فعلا مجلس الوزراء؟! أليس من الأفضل أن تكون إحدى الوزارات كوزارة التجارة أو وزارة الاقتصاد أو وزارة العمل؟

- ما هي مصادر الموارد المالية للهيئة؟ هل الدولة أم المجتمع؟ فإن كانت الدولة فهذا يشكل عبئا جديدا على الميزانية.

- ما هي الشركات التي يمكن استهدافها ابتداء لإطلاق ونشر ممارسات الاستدامة في القطاع الخاص؟ هل هي الشركات المدرجة في سوق المال؟ أم ستصنف حسب القطاعات الاقتصادية الإنتاجية كقطاع البتروكيميات، القطاع الصناعي، قطاع الاتصالات..إلخ.

يذكر أنه يجب أن نستفيد من دراسة تجربة دولة الإمارات في مؤشر المسؤولية المجتمعية للشركات، ومشاركتها في مشاريع التنمية المختلفة عبر منصة ذكية لقياس أداء وتقييم المسؤولية المجتمعية. فلنعظم الفائدة من تجارب الدول المتنوعة في تطبيق بعض الأنظمة، مع تطوير بصمة خاصة بنا تتناسب مع وضعنا ومضمون وشكل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي نواجهها.

AlaLabani_1@