ما الذي لا تقوله وسائل الإعلام الغربية عن داعش؟
الجمعة / 16 / ذو القعدة / 1440 هـ - 18:00 - الجمعة 19 يوليو 2019 18:00
توقع الكاتب في مجلة ذي إتلانتك الأمريكية، سيمون كوتي، أنه في حال مقتل أبي بكر البغدادي زعيم داعش، لو لم يكن قد مات بالفعل، سيرى خبراء السياسة الخارجية أن مصرعه هو مجرد انتصار فارغ للتحالف المدعوم من الغرب والمناهض للتنظيم، وأن داعش ستعيش كفكرة ومنظمة لفترة طويلة في أعقاب مقتل البغدادي، وربما يرى البعض في قتله نعمة للتنظيم، إذ إن وفاته ستجعله يحيا شهيدا في قلوب عدد أكبر من المتشددين.
البداية
منذ أن ظهر التنظيم وكانت وسائل الإعلام الغربية تنسب إلى داعش صفات استثنائية، كقوة البصيرة الاستراتيجية، والقدرة على إعادة بناء نفسه والعودة من الموت، لإرهاب وتدمير كل من يقف في طريقه. وبالطبع قبل أن تبدأ وسائل الإعلام الغربية في المبالغة بشأن التنظيم كانت المؤسسات السياسية تقلل من شأن التنظيم، إذ قال الرئيس باراك أوباما لديفيد ريمنيك، صحفي مجلة نيويوركر الأمريكية، أوائل 2014 إن داعش هم أشبال تنظيم القاعدة.
وكان مخطئا في ذلك. إذ ساد الذعر الحقيقي بمجرد استيلاء داعش على الموصل وقطعه رؤوس الرهائن الغربيين، وبحلول سبتمبر 2014، أكدت النائبة الديمقراطية ديان فاينستاين أن داعش يشكل تهديدا كبيرا للغاية، وتختلف المجلة وكاتبها مع الأمر،حيث ترى أن الأمر مبالغة.
الصحف الشعبية ولعبة المبالغة
أصبح من الصعب أن تفتح التلفاز أو تقرأ صحيفة دون أن يكون هناك خبر عن آخر فظائع التنظيم، والتي ينظر إليها أيضا كدليل على براعتهم، وكانت وسائل الإعلام الغربية الشعبية تبالغ بصورة أكبر حيث نشرت مقاطع الفيديو الدعائية الحقيقية التي أعدتها داعش، وأضافت إليها أخبارا تنافي العقل بكل صدق ومنها:
حمل أحد الأخبار الكاذبة التي نشرتها صحيفة ديلي ميل البريطانية العنوان التالي: داعش يستخدم قنابل تحتوي على عقارب حية في محاولة لإثارة الذعر، في تكتيك استخدم منذ 2000 عام ضد الرومان.
لم يقتصر الأمر على وسائل الإعلام الشعبية فقط، إذ أصيب الصحفيون والمعلقون الجادون بالسحر الوحشي لداعش في ظل انبهارهم بتطور وجودة المقاطع الدعائية التي يصدرها التنظيم.
وفي عمود نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في سبتمبر 2014، كتب الصحفي الراحل ديفيد كار: إذا كنت تشكك في قدرات داعش الفنية، عليك أن تشاهد وثائقيا أصدروه عن الفلوجة، يتضمن أداء رائعا التقط بواسطة كاميرا تحملها طائرة بدون طيار. ورغم أن تلك المقاطع تنقل بربرية داعش العنصرية، لكن داعش تمتلك وحدة إنتاج متطورة بوضوح، ولديها كاميرات جيدة ومشغلون ومحررو فيديو ماهرون فنيا يمكنهم استخدام أفضل الأدوات.
المدح والتملق
ساعد المديح المتملق على تلميع صورة التنظيم الذي لا يقهر، وربما حفزه أيضا على إنتاج المزيد من مقاطع الفيديو؛ مما ساعد في زيادة حصيلة المصدومين بمرور الوقت. وقال ريكاردو فيلانوفا، المصور الإسباني الذي قضى ثمانية أشهر محتجزا داخل سجن داعشي، لشبكة بي بي سي البريطانية: أعتقد أن الغرب يتحمل جزءا من اللوم أيضا، لأننا ضخمنا حجم الدعاية الداعشية. إذ تصدرت الأخبار المتعلقة بداعش عناوين الصفحات الأولى في كل مرة تقع فيها حادثة إعدام. وأعتقد أن ذلك دفعهم للمزيد من الوحشية من أجل تضخيم رسالتهم.
المشاكل
هناك مشكلتان فيما يتعلق باستجابة وسائل الإعلام لمقاطع فيديو داعش:
1 أنه من المريب أخلاقيا أن نمتدح الأمور التي تثير غضبنا
2 أن مقاطع الفيديو لم تكن بتلك الجودة أصلا
ومثال ذلك مقطع فيديو نشره داعش باللغة الإنجليزية يوم 19 يونيو 2014 تحت عنوان: لا حياة بدون جهاد There Is No Life Without Jihad. أظهر المقطع مجموعة من الرجال البريطانيين والأستراليين جالسين معا وأرجلهم متداخلة، وهم يقرؤون نصا محضرا مسبقا ويحاولون شرح أسباب مغادرتهم لبلادهم في الغرب من أجل الجهاد في سوريا والعراق.
وقال رجل أطلق على نفسه اسم أبي براء الهندي: هل أنت مستعد للتضحية بالوظيفة المرموقة التي حصلت عليها، والسيارة الكبيرة التي تمتلكها، وعائلتك؟ هل أنت مستعد للتضحية بذلك في سبيل الله؟ وظهر أبوبراء الهندي مرتديا قميصا من إنتاج شركة أرماني الإيطالية، وهي إطلالة غريبة بعض الشيء بالنسبة لمقاتل جهادي يخوض حربا ضد الإمبريالية الغربية. وكشف قناع الرجل الجالس إلى يمينه عن الإرهاق الذي يغطي عينيه.
نهاية داعش
ويرى الكاتب أن وسائل الإعلام تمسكت بفكرة أن التنظيم لا يمكن إيقافه، رغم أن داعش تعرض للقصف باستمرار على مدار العامين الماضيين في سوريا والعراق، وهو الآن على مشارف خسارة آخر معاقله، وبالتالي خلافته، ولكن الكثير من المراقبين يترددون في الاعتراف بحجم هزيمة داعش، وهم مقتنعون أنه سيتحول إلى شيء أكثر إرهابا. لدرجة أن البعض لا يستخدمون كلمة الهزيمة مطلقا، ويبدو وكأنهم من دعاة داعش الذين يحولون كل خسارة داعشية إلى مجرد كبوة موقتة في طريق انتصارهم المحتوم، ويركزون على حقيقة أن التنظيم يمتلك معاقل في أماكن أخرى، مثل أفغانستان، ويرون أنه سيعود مستقبلا مستردا عافيته.
ومثال ذلك، تحذير روكميني كاليماشي، صحفية نيويورك تايمز، الشهر الماضي، من أن داعش أعلن هزيمته مسبقا، لكنه عاد أقوى مما سبق ليثبت خطأ الساسة. وأكد تيم ليستر في خبره على شبكة سي إن إن الشهر الماضي أيضا وجود مؤشرات على إعادة إحياء داعش في العراق. وجاء خبر الشبكة تحت عنوان: داعش لم تهزم بعد على المستويين العسكري والأيديولوجي.
وجادل حسن حسن، الصحفي المشارك بمجلة ذي أتلانتك، كثيرا بأن داعش سيعيد بناء نفسه كقوة متمردة إقليمية داخل سوريا والعراق رغم خسارة أراضيه: ما يزال داعش يتمتع بقدرته على العمل كتنظيم. وكتب على تويتر أن داعش سيتمكن من تثبيت أقدامه محليا بأساليب لم تتح له في أوج سيطرته، متنكرا في زي التمرد.
لا يمكن أن ننفي حقيقة أن داعش ما يزال على قيد الحياة، ولكنهم لن يتمكنوا من تكرار حجم العنف والفوضى اللذين تسبب فيهما من قبل، فضلا عن أن فقدان الأراضي يقلل من جاذبية التنظيم عالميا، ويزيد صعوبة تجنيد أنصاره والحفاظ عليهم.
البداية
منذ أن ظهر التنظيم وكانت وسائل الإعلام الغربية تنسب إلى داعش صفات استثنائية، كقوة البصيرة الاستراتيجية، والقدرة على إعادة بناء نفسه والعودة من الموت، لإرهاب وتدمير كل من يقف في طريقه. وبالطبع قبل أن تبدأ وسائل الإعلام الغربية في المبالغة بشأن التنظيم كانت المؤسسات السياسية تقلل من شأن التنظيم، إذ قال الرئيس باراك أوباما لديفيد ريمنيك، صحفي مجلة نيويوركر الأمريكية، أوائل 2014 إن داعش هم أشبال تنظيم القاعدة.
وكان مخطئا في ذلك. إذ ساد الذعر الحقيقي بمجرد استيلاء داعش على الموصل وقطعه رؤوس الرهائن الغربيين، وبحلول سبتمبر 2014، أكدت النائبة الديمقراطية ديان فاينستاين أن داعش يشكل تهديدا كبيرا للغاية، وتختلف المجلة وكاتبها مع الأمر،حيث ترى أن الأمر مبالغة.
الصحف الشعبية ولعبة المبالغة
أصبح من الصعب أن تفتح التلفاز أو تقرأ صحيفة دون أن يكون هناك خبر عن آخر فظائع التنظيم، والتي ينظر إليها أيضا كدليل على براعتهم، وكانت وسائل الإعلام الغربية الشعبية تبالغ بصورة أكبر حيث نشرت مقاطع الفيديو الدعائية الحقيقية التي أعدتها داعش، وأضافت إليها أخبارا تنافي العقل بكل صدق ومنها:
حمل أحد الأخبار الكاذبة التي نشرتها صحيفة ديلي ميل البريطانية العنوان التالي: داعش يستخدم قنابل تحتوي على عقارب حية في محاولة لإثارة الذعر، في تكتيك استخدم منذ 2000 عام ضد الرومان.
لم يقتصر الأمر على وسائل الإعلام الشعبية فقط، إذ أصيب الصحفيون والمعلقون الجادون بالسحر الوحشي لداعش في ظل انبهارهم بتطور وجودة المقاطع الدعائية التي يصدرها التنظيم.
وفي عمود نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في سبتمبر 2014، كتب الصحفي الراحل ديفيد كار: إذا كنت تشكك في قدرات داعش الفنية، عليك أن تشاهد وثائقيا أصدروه عن الفلوجة، يتضمن أداء رائعا التقط بواسطة كاميرا تحملها طائرة بدون طيار. ورغم أن تلك المقاطع تنقل بربرية داعش العنصرية، لكن داعش تمتلك وحدة إنتاج متطورة بوضوح، ولديها كاميرات جيدة ومشغلون ومحررو فيديو ماهرون فنيا يمكنهم استخدام أفضل الأدوات.
المدح والتملق
ساعد المديح المتملق على تلميع صورة التنظيم الذي لا يقهر، وربما حفزه أيضا على إنتاج المزيد من مقاطع الفيديو؛ مما ساعد في زيادة حصيلة المصدومين بمرور الوقت. وقال ريكاردو فيلانوفا، المصور الإسباني الذي قضى ثمانية أشهر محتجزا داخل سجن داعشي، لشبكة بي بي سي البريطانية: أعتقد أن الغرب يتحمل جزءا من اللوم أيضا، لأننا ضخمنا حجم الدعاية الداعشية. إذ تصدرت الأخبار المتعلقة بداعش عناوين الصفحات الأولى في كل مرة تقع فيها حادثة إعدام. وأعتقد أن ذلك دفعهم للمزيد من الوحشية من أجل تضخيم رسالتهم.
المشاكل
هناك مشكلتان فيما يتعلق باستجابة وسائل الإعلام لمقاطع فيديو داعش:
1 أنه من المريب أخلاقيا أن نمتدح الأمور التي تثير غضبنا
2 أن مقاطع الفيديو لم تكن بتلك الجودة أصلا
ومثال ذلك مقطع فيديو نشره داعش باللغة الإنجليزية يوم 19 يونيو 2014 تحت عنوان: لا حياة بدون جهاد There Is No Life Without Jihad. أظهر المقطع مجموعة من الرجال البريطانيين والأستراليين جالسين معا وأرجلهم متداخلة، وهم يقرؤون نصا محضرا مسبقا ويحاولون شرح أسباب مغادرتهم لبلادهم في الغرب من أجل الجهاد في سوريا والعراق.
وقال رجل أطلق على نفسه اسم أبي براء الهندي: هل أنت مستعد للتضحية بالوظيفة المرموقة التي حصلت عليها، والسيارة الكبيرة التي تمتلكها، وعائلتك؟ هل أنت مستعد للتضحية بذلك في سبيل الله؟ وظهر أبوبراء الهندي مرتديا قميصا من إنتاج شركة أرماني الإيطالية، وهي إطلالة غريبة بعض الشيء بالنسبة لمقاتل جهادي يخوض حربا ضد الإمبريالية الغربية. وكشف قناع الرجل الجالس إلى يمينه عن الإرهاق الذي يغطي عينيه.
نهاية داعش
ويرى الكاتب أن وسائل الإعلام تمسكت بفكرة أن التنظيم لا يمكن إيقافه، رغم أن داعش تعرض للقصف باستمرار على مدار العامين الماضيين في سوريا والعراق، وهو الآن على مشارف خسارة آخر معاقله، وبالتالي خلافته، ولكن الكثير من المراقبين يترددون في الاعتراف بحجم هزيمة داعش، وهم مقتنعون أنه سيتحول إلى شيء أكثر إرهابا. لدرجة أن البعض لا يستخدمون كلمة الهزيمة مطلقا، ويبدو وكأنهم من دعاة داعش الذين يحولون كل خسارة داعشية إلى مجرد كبوة موقتة في طريق انتصارهم المحتوم، ويركزون على حقيقة أن التنظيم يمتلك معاقل في أماكن أخرى، مثل أفغانستان، ويرون أنه سيعود مستقبلا مستردا عافيته.
ومثال ذلك، تحذير روكميني كاليماشي، صحفية نيويورك تايمز، الشهر الماضي، من أن داعش أعلن هزيمته مسبقا، لكنه عاد أقوى مما سبق ليثبت خطأ الساسة. وأكد تيم ليستر في خبره على شبكة سي إن إن الشهر الماضي أيضا وجود مؤشرات على إعادة إحياء داعش في العراق. وجاء خبر الشبكة تحت عنوان: داعش لم تهزم بعد على المستويين العسكري والأيديولوجي.
وجادل حسن حسن، الصحفي المشارك بمجلة ذي أتلانتك، كثيرا بأن داعش سيعيد بناء نفسه كقوة متمردة إقليمية داخل سوريا والعراق رغم خسارة أراضيه: ما يزال داعش يتمتع بقدرته على العمل كتنظيم. وكتب على تويتر أن داعش سيتمكن من تثبيت أقدامه محليا بأساليب لم تتح له في أوج سيطرته، متنكرا في زي التمرد.
لا يمكن أن ننفي حقيقة أن داعش ما يزال على قيد الحياة، ولكنهم لن يتمكنوا من تكرار حجم العنف والفوضى اللذين تسبب فيهما من قبل، فضلا عن أن فقدان الأراضي يقلل من جاذبية التنظيم عالميا، ويزيد صعوبة تجنيد أنصاره والحفاظ عليهم.