الرأي

جدوى العقوبات على إيران

مي الشريف
بعد سنوات من تحذيرات السعودية من مساعي طهران غير المطمئنة وتهاون العالم حولها، نرى الحكومات اليوم تحذر وتطالب مجلس الأمن بحماية ناقلات النفط في المياه الإقليمية، وذلك بعد إسقاط الطائرة الأمريكية والهجوم على ست ناقلات نفط، الأمر الذي يعد تهديدا للتجارة العالمية وأمن المنطقة.

شرارة الناقلات ليست جديدة على إيران، فما يحدث اليوم كان يعد من أهم استراتيجيات الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، حيث استهدف طرفا الحرب عشرات الناقلات عندما أعلنت بغداد أن جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإيرانية ستصبح هدفا للجيش العراقي، لتنضم إيران إلى هذه الممارسة مبتدئة بقصف ناقلة هندية.

وبعد هجمات إيرانية على الناقلات الكويتية عام 1987، استأجرت الحكومة الكويتية ثلاث سفن من الاتحاد السوفيتي وجرى وضع العلم السوفيتي عليها، ومن ثم تولت أمريكا حماية 11 ناقلة نفط كويتية ومرافقتها أثناء عبورها الخليج، ووضع العلم الأمريكي عليها.

وفي 1987 أيضا بدأت إيران نشر الألغام المائية في مضيق هرمز، وأصيب بها عدد من الناقلات والسفن الحربية، من بينها سفينة «USS Samuel B. Roberts» الأمريكية، مما استدعى إلى حماية الملاحة الخليجية، حيث نشرت أمريكا مروحيات مجهزة بأدوات للرؤية ليلا، والتي نجحت في أسر سفن إيرانية كانت تنشر الألغام. خطة «آرنست ويل» لحماية المياه الإقليمية أدت إلى خفض الخسائر وزيادة أمن الناقلات ومضاعفة الوجود البحري الأمريكي في الخليج، فارتفع عدد السفن الحربية من 6 إلى 13، و18 ألف جندي أمريكي.

الآن بعد تفاوت الأخبار في العاصمة واشنطن حول الطريقة المثلى لردع التصرفات الإيرانية، وارتفاع ضجيج أصوات الجناح العسكري الذي يقوده مستشار الأمن القومي جون بولتون وعدد من القيادات التي رأت ضرورة الرد العسكري على طهران، كادت الضربة أن تحصل لولا ضغوط المحافظين في الإدارة الأمريكية باتجاه التريث، لأن الهدف من مواجهة إيران الذي أعلنت عنه أمريكا العام الماضي ليس تغيير نظام الحكم، وإنما منع إيران من الحصول على سلاح نووي، والحد من تدخلاتها في المنطقة ودعم التنظيمات الإرهابية.

لذلك قد تكون استمرارية العقوبات الاقتصادية هي الحل الأفضل، والتي ارتفع مداها بعد إعلان الرئيس ترمب أخيرا فرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران تستهدف مسؤولين بارزين على رأسهم المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي.

رعونة الحكومة الإيرانية بالهجوم على الناقلات وإسقاط الطائرة الأمريكية، وتكرار هجمات أذرعها في الأراضي السعودية، تبين مرارة العقوبات الاقتصادية على إيران، والتي أجبرتها على اللعب في نار الملاحة والخوض في تحد قد يوقعها في حرب مع أمريكا.

قد يكون هذا ما تطمح إليه إيران؛ الدخول في حرب قد تكون مؤلمة لها من جهة، ولكن ستساعدها على توحيد صفوف الداخل واتخاذ موقف دولي معها، والأهم أن عشوائية الحرب ستشتت العقوبات الاقتصادية عليها وتساعد على توسع السوق السوداء لتصريف نفطها عبرها والحصول على ما تحتاجه. لذلك استمرارية فرض العقوبات الاقتصادية وزيادتها هما الحل لهلاك النظام الإيراني في ظل الضعف الاقتصادي والغضب الشعبي المستمر.