الرأي

خوارم الجيوب...!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
ثم وصلنا إلى اليوم السابع والعشرين من الشهر الميلادي وما كدنا أن نفعل، وخلال هذه الرحلة الشاقة التي بدأت يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي تساقط الكثير من الضحايا في الطريق. صحيح أنه مثل أي شهر آخر في عدد الأيام، إلا أن في أيامه عيدا وإجازات إجبارية. والعيد والإجازات ـ كما تعلمون ـ من أكثر الأشياء سحقا وتعنيفا للأموال.

ونحن أمة ـ أعني السعوديين ـ نرى في الادخار منقصة وخارما عنيفا من خوارم المروءة، ولذلك فإننا حين تصلنا الرسالة التي تشعرنا بوصول الراتب نشعر أنها تحذرنا من عدو لا بد من الهجوم عليه وتمزيقه شر ممزق. ولقد آمنا بالمقولة التي تزعم أن «المال وسخ دنيا» إلى درجة أننا نحرص على التنظف منه أولا بأول. إننا مهووسون بالنظافة من وسخ الدنيا هذا إلى درجة الوسوسة.

وأنا أتكلم عن السائد والمألوف، لأنه لا شك أن هناك فئات ممن يحبون المال حبا جما، وهناك مبدعون في ادخار الأموال وجمعها، وتتعامل معهم الأموال كمستقر أبدي، فحين يصلهم الريال فإنه يعلم أنه وصل آخر رحلته في التنقل بين جيوب الخلق ولن يغادر مكانه ما تبقى من عمره. رزقنا الله بصيرتهم، وهدانا مثلما هداهم، وأصلح قلوبنا ورتق ثقوب جيوبنا.

ونحن مع ما سبق من كراهتنا لكنز الأموال والتفنن في تبذيرها، إلا أننا لا نكف عن الشكوى من ضياعها، وكأنها هي من اختارت الرحيل.

صحيح أن فكرة راتب الموظف الرئيسة هي سد حاجته حتى الراتب الذي يليه، أي أن الفواتير والأقساط من ضمن الأشياء التي يفترض أن الموظف يتقاضى راتبا من أجلها، ولذلك فإن امتعاضه من ذهاب جزء من مرتبه في هذه الأمور يبدو مستغربا وغير مبرر.

ولا أعمم ولكني أجزم أن كثيرا ممن يشتكون من تكالب الفواتير والأقساط على مرتباتهم كانوا سيشتكون أيضا في منتصف الشهر لو لم يكن هناك فواتير ولا أقساط، فالكائن السعودي معتاد على صرف راتبه كاملا في أول أسبوعين، سواء كان ألفا واحدا أو عشرين ألفا.

ومن أكبر مبددات الأموال تلك العادة التي تقوم على مبدأ تساوي الجميع في الكماليات، فالموظف الذي يتقاضى ثلاثة آلاف ريال ستجد أنه من المألوف والطبيعي أن يحمل هاتفا ثمنه يساوي ضعف راتبه. وقد يمنع نفسه من أمر ضروري في سبيل الحصول على آخر كمالي. وهذا مما عم به البلاء.

وعلى أي حال..

صحيح كثيرا أن كثرة الفواتير والرسوم والضرائب التي تأتي من كل حدب وصوب، ثم غلاء الأسعار وجشع التجار وانعدام الرقابة، كلها أمور تجعل عمر الراتب قصيرا مهما بدا قويا وكثيرا، وتقتله في مهده إن كان ضعيفا ضئيلا، لكن طريقة صرفنا و»قلة دبرتنا» في تعاملنا مع الأموال لها دور كبير أيضا في العنف الذي تتعرض له رواتبنا. رزق الله الجميع ـ خاصة أنا ـ من واسع فضله، وأعانهم على الانتظار حتى يأتيهم الفرج المؤقت بعد ثلاثين يوما.

agrni@