الرأي

الحل مشكلة والمشكلة حل...!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
في الصف الرابع الابتدائي دخلت أول مشاجرة في حياتي، أو هي الأولى التي أتذكرها. كانت المدرسة جديدة بالنسبة لي لأني درست الثلاث سنوات الأولى في أماكن أخرى، وأذكر أن سبب تلك المعركة الخالدة كان طرفا ثالثا سألته عن اسم أحد الطلاب فأخبرني باسم غريب اتضح لي فيما بعد أنه «عيارة» وشتيمة تسببت في نشوب الحرب بعد استخدامي لها في مخاطبة ذلك الطالب النجيب.

اتفقنا على أن نلتقي بعد نهاية اليوم الدراسي خارج المدرسة لكي نحل الإشكالية بالقوة المفرطة، لأنه أصبح متعذرا الوصول إلى حلول سلمية في ظل وجود أطراف تراقب كل كلماتنا وتحملها أي معنى يخدم استمرار الصراع.

كنا طوال ما تبقى من اليوم الدراسي نعد لبعضنا البعض خططا قتالية، ونفكر في طرق إنهاء المعركة وحسمها بشكل سريع، ثم بدأنا معركة لم تستمر طويلا، لأننا توصلنا إلى حل أثناء اشتباكنا وعرفنا أن المشكلة من أساسها بسبب خبث الطرف الثالث، أصبحنا فجأة وفي وسط المعركة أصدقاء وقررنا الانتقام من الطرف الثالث، ولكننا لم نفعل إلى اليوم لأسباب غير مفهومة.

منذ ذلك الشجار وأنا أتوجس خيفة من الطرف الثالث في أي مشكلة أسمع عنها أو أظن أنها على وشك الوقوع، وغالبا فإن الأمور تتطور وتصل في بعض المشكلات إلى نقطة اللاعودة دون أن يكتشف أحد الطرفين أن إبليس كان متواجدا على هيئة صديق ناصح. وفي أحيان يتم معرفة الحقيقة في وقت لا يمكن تقبلها ولا استساغة وجودها، لأن ضرر الاعتراف بها أكثر بكثير من ضرر استمرار المشكلة. ويصبح استمرار المشكلة أفضل الحلول لأن التعايش معها أكثر سلاما وطمأنينة من التعايش مع الحقيقة. وأصعب ما يمكن التعايش معه هو أن يكون الحل مشكلة وتكون المشكلة هي الحل.

هذا يحدث على مستوى الأفراد والجماعات. وأتخيل ـ ولست متيقنا ـ أنه يحدث على مستوى الدول أيضا. وحين يحدث على مستوى الدول فإني أظن أن تبعات المشكلة ستكون أكبر بقليل من تبعات مشكلتي مع صديقي في الابتدائي الذي بدأت علاقتي به بمناداته بالاسم الذي لا يحبه بناء على المعلومات المغلوطة التي توفرت لدي حينها.

وعلى أي حال..

أظن أنه سيكون حلا جميلا ومنصفا وصديقا للبيئة وللحياة وللناس أن يتفق مشعلو الحروب والصراعات والفتن ومدمنو الشجار على مستوى الدول على أن يلتقوا في مكان خارج كوكب الأرض، يصفون صراعاتهم ويتفاهمون ويتقاتلون بعيدا عن الناس، تماما كما كنا نفعل ونحن أطفال حين نتفق أن نتشاجر خارج أسوار المدرسة.

agrni@