الرأي

شيزوفرينا الحياة اللغوية

عبدالحليم البراك
الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة عاش في روسيا، وتعلم الأدب الروسي وقرأ فيه، فصار لا يرى إلا روسيا والروس أدبا وحياة ولغة كما يعبر المؤرخ الفلسفي اللبناني يوسف حسين، وامتدادا لمقال سابق عن الشيزوفرينا التعليمية، هذه بعض الحكايات للأطفال الذين هم العتبة الأولى للكبار، فكيف يتأثرون باللغة؟ وهذه بعض القصص الشيزوفرينية الطفولية اللطيفة:

قال لي صديق: حرصت أن أعلم طفلي اللغة الإنجليزية، ونجحت إلى حد كبير، المهم في بيتي ثلاث لغات محكية، هي العربية (السعودية) والإنجليزية، وكذلك العربية (الفلبينية)، فعلى الرغم من أن ابني لا يتفاهم مع العاملة المنزلية إلا باللغة الإنجليزية فهي لغة تعبيره؛ إلا أن الرد منها لا يتم إلا بالعربية، فهي مصرة أن تتعلم العربية وبالقوة، فتستمع لحوار هادئ باللغتين في آن واحد، هو بالإنجليزية والرد بالعربية المكسرة، والأمور أشبه ما تكون بمسرحية كوميدية هزلية منزلية لغوية، ولا ينقصنا إلا أن نتحدث اللغة التقالوقية الفلبينية أيضا (شيزوفرينا لغوية منزلية).

وقال صديق آخر أعرف حرصه على اللغة العربية: لما عدت من الابتعاث مباشرة، وكان ابني يبحث في محرك البحث الشهير قوقل، ورأيته يبحث باللغة الإنجليزية قلت له: جرب بالعربية أولا، ثم ابحث بالإنجليزية إن لم تجد بغيتك في العربية، فقال لديكم (لاحظ لغة الآخر التي يتعامل بها معي لغويا، وكأننا منفصلون عنه لغويا) لديكم لغتان (يقصد المحكية والفصحى) اللغة التي نتكلمها (والحديث لا يزال للابن) لا تعطي نتائج بمحرك البحث قوقل، وهي اللغة التي أعرف، بينما في اللغة الرسمية (هكذا تعبير الطفل وهو يصف اللغة العربية الفصحى) لا أعرف كيف أكتبها أصلا (شيزوفرينا طفولية بحثية).

ثم تحدث لي شخصيا مراهق قريب لي، يصف طالبا جاء للمدرسة مؤخرا فيقول: إن الطالب الجديد يعرف 4 لغات، ويتكلمها بطلاقة لكنه (سبيكة) «وهو تعبير يدل على الغباء لدى العامة من الأطفال»، فقلت له: كيف، قال: تركيزه ضعيف ولا يفهم والجميع يعبث به، قلت لأنه تم العبث به لغويا، فسألت عن قصة هذا الطفل، فقالوا إن والده عاش في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا سنوات متفرقة، وكان يحرص أن يتعلم ابنه في المدارس المحلية ليكون عنده لغات عدة، فكسب الأب وابنه أربع لغات لكنه خسر الابن الذي لم يساعد عدم استقراره اللغوي أن يفهم الناس كيف يفكرون وكيف يعيشون، لأن اللغة تفسر طريقة حياة الناس (شيزوفرينا سبيكية اجتماعية).

وحتى لا أكون براجماتيا مقاليا فيما فات من كلام، أقول إن التعدد اللغوي التعليمي للطفل والطالب في كل المراحل إن لم يبن على استراتيجية تعليمية عالية الوضوح ذات بعد زمني كبير في الوطن العربي، فإن ذلك سيقلل بشكل كبير من العمق المعرفي لديه، لأن اللغة أداة المعرفة الرئيسية مع العقل والتفكير، ولأن اللغة هوية ناطقة، كما يعبر البروفيسور عبدالله البريدي في حالته «الواتسابية» ويردد أيضا قوله دائما: هناك ارتباط جوهري بين اللغة والفكر، والفلسفة أكبر برهان على ذلك!

@Halemalbaarrak