الرأي

مهلا إردوغان

محمد عبدالله الصلاحي
تبحث تركيا عن دور فاعل في المشهد السياسي للشرق الأوسط، لكنها تبحر في اتجاه معاكس لرغبات دول المنطقة، وتتعمق فيها حاملة مشروعها الخاص، لا تختلف في هذا عن إيران التي تحمل مشروعها الخاص أيضا، وكلاهما يحمل أطماعه تجاه المنطقة، المعززة بأطماع قديمة.

مآرب الأطماع كثيرة وكبيرة، وطرقها أكثر، لا يتورع فيها صاحب كل مطمع في استغلال كل فرصة تسنح أمامه، بعيدا عن أي اعتبارات ينظمها قانون العمل السياسي الدولي، ومواثيقه التي تنص على سيادة الدول على أراضيها، وعدم التعدي عليها بأي شكل كان.

كان لدى تركيا فرصة لعلاقة تملؤها ‫الثقة» مع المملكة، وبأن تكون أكثر قربا معها، لكنها ‫تطاولت» في مواضع ما كان لها أن تطرق بابها، ‫وتجرأت‫‫ على قطع حبال الود، وبقيت منه شعره، توشك أيضا أن تنقطع.‬‬‬‬‬‬‬‬‬

لم تكن قضية ‫خاشقجي‫ الأولى، وليست الأخيرة في مسلسل التدخلات التركية تجاه المملكة، والمتعدية حدود ‫اللباقة والدبلوماسية‫، تعاملت مع القضية كورقة اعتقدت أنها ‫»رابحة‫‫»، في معركة ظنتها ‫فرصتها‫‫ لتحقيق مآرب لم تفصح عنها علنا، لكن أثرها يتراءى هنا وهناك، ويوما بعد آخر.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

الجريمة جريمة، وأركانها مكتملة، فشخصياتها معروفة، ومكانها معروف، والمجني عليه سعودي، والجناة سعوديون، والمكان أرض سعودية وفق القانوني الدبلوماسي الدولي ‫(القنصلية‫)، والقضاء السعودي ينظر في القضية، والجناة ماثلون أمامه، محملا إياهم كامل المسؤولية، وينتظرهم العقاب اللازم، هذه هي ‫المعطيات‫ التي يجب النظر من خلالها إلى قضية خاشقجي، وما سواها ليست سوى تدخلات مرفوضة سعوديا، ومجرمة في القانون الدولي الذي يحفظ لكل دولة سيادتها، وحقها في التعامل مع القضايا التي تخصها بكل شفافية ونزاهة.‬‬‬‬‬‬‬‬

المملكة ليست جدارا قصيرا، كل من أراد تحقيق أهدافه اعتلى هذا الجدار وقفز عليه، وتبني تركيا على لسان رئيسها تقرير المحققة المتطوعة ‫»أغنيس كالامارد‫»، إضافة إلى مواقفه الدائمة والمتحاملة في قضية خاشقجي، لن تكون فرصة ليتجاوز من خلالها دور القضاء السعودي في القضية وسعيه إلى إتمام المحاكمة، وإنزال العقوبات المستحقة بحق الجناة.‬‬‬‬

«كالامارد‫» حققت في القضية بشكل ‫»تطوعي‫»، وبصفة شخصية خارج تكليف الأمم المتحدة، مما يعني أنها قامت بهذا الأمر مدفوعة من جهات ودول كشفت عن نفسها بتبنيها السياسي والإعلامي للتقرير بعد صدوره مباشرة، ناهيك عن مواقفها المعروفة سلفا في معاداة المملكة، وهذا ما يجعل حياديتها ومصداقيتها مفقودتين، والثقة بما يصدر عنها معدومة، وليست أهلا لأن يكون لتقريرها ‫‫»اعتبارية‫» يؤخذ بها في مسار القضية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

استغلال القضايا ليس وسيلة ناجحة لتحقيق الغايات، واقتفاء العثرات لن يوصل المتتبع إلى ما يريد، وكذلك التغني بمظلومية الشعوب لن يمنح صاحبه صك البطولة، هذه الصور القبيحة من نمط التعامل تعكس قبح سالكيها، وارتداد تأثيرها السلبي عليهم لن يطول.

ذات لقاء، قال الأمير محمد بن سلمان إن العلاقة مع تركيا ممتازة، ولن يفسدها شيء، كانت أقواله مرآة نواياه في علاقة أكثر ودية مع تركيا، بالمقابل لم يكن الموقف التركي مماثلا في رسم علاقة ودية مع المملكة، وتعبر عنه تصريحات إردوغان وتحامله على المملكة، والتدخل في شؤونها، والحديث عن قضايا تخصها، وليس السبب في تدخلاته هذه أن ‫حادثة خاشقجي‫ كانت في قنصلية سعودية، في مدينة تركية، بل لأن نزوة التدخل في شؤون الدول الأخرى موجودة، ولا يحتاج لسبب من أجلها، والمملكة ليست الميدان الذي يفرغ فيه رغباته في التدخلات المرفوضة.‬‬

مهلا إردوغان، لا تهرول سريعا في استعداء للآخرين، فقد تحصد ذات يوم لنفسك ما تزرعه لغيرك. أما المملكة فالضربات التي لم ولن تسقطها ستقويها، وستخرج من كل منعطف أقوى مما كانت.

@Mohamed_alslahi