داعش ليست مجرد تنظيم مسلح

حين يمزق معلم ورقة من المنهج الدراسي المكلف بتدريسه، ويحث الطلاب أيضا على تمزيقها؛ بدعوى أوهام التغريب المزروعة في الأذهان بتزييف مؤسف، حين ترى ذلك، فأنت هنا أمام منطق داعش! وحين يقتحم أعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ناديا أدبيا أو محفلا ثقافيا أو فنيا، ضاربين بمفاهيم (الدولة الحديثة) التي تنظم علاقات المؤسسات ببعضها عرض الحائط، وحين ترى أحدهم يبرر تلك الفوضوية المخزية، ويمتدح ويطمئن إلى تلك البربرية في الاقتحام؛ إيمانا بأنها هي الطريقة المثلى، حين ترى ذلك، فأنت أمام منطق داعش! وحين تسمع من يقول تعليقا على أحداث باريس الأخيرة: (يجب ألا تنسينا هذه الأحداث إرهاب فرنسا التاريخي)! فهو إنما يبرر من طرف خفي ما حصل من إرهاب، وربما دون أن يشعر – لسذاجته – أنه يستخدم نفس المنطق في الضفة المقابلة الذي يقول: (إن مساوئ الاستعمار يجب ألا تنسينا ما فعله العرب منذ الفتوحات من قتل وسبي)!، فحين تسمع ذلك، فأنت أمام منطق داعش من الجهتين معا! داعش – يا سادة – هي منظومة متكاملة ومتجذرة من المفاهيم والسلوك والقيم والتصورات وأدوات التفكير والفهم والإرث التاريخي والثقافي، وما ذلك التنظيم المسلح وتلك العناصر التي تخرج من هنا أو هناك إلا خلاصة الصديد الذي يخرج من الجرح، بينما الجرح في مكانه لا يزال – وسيظل – يفرز المزيد والمزيد

حين يمزق معلم ورقة من المنهج الدراسي المكلف بتدريسه، ويحث الطلاب أيضا على تمزيقها؛ بدعوى أوهام التغريب المزروعة في الأذهان بتزييف مؤسف، حين ترى ذلك، فأنت هنا أمام منطق داعش! وحين يقتحم أعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ناديا أدبيا أو محفلا ثقافيا أو فنيا، ضاربين بمفاهيم (الدولة الحديثة) التي تنظم علاقات المؤسسات ببعضها عرض الحائط، وحين ترى أحدهم يبرر تلك الفوضوية المخزية، ويمتدح ويطمئن إلى تلك البربرية في الاقتحام؛ إيمانا بأنها هي الطريقة المثلى، حين ترى ذلك، فأنت أمام منطق داعش! وحين تسمع من يقول تعليقا على أحداث باريس الأخيرة: (يجب ألا تنسينا هذه الأحداث إرهاب فرنسا التاريخي)! فهو إنما يبرر من طرف خفي ما حصل من إرهاب، وربما دون أن يشعر – لسذاجته – أنه يستخدم نفس المنطق في الضفة المقابلة الذي يقول: (إن مساوئ الاستعمار يجب ألا تنسينا ما فعله العرب منذ الفتوحات من قتل وسبي)!، فحين تسمع ذلك، فأنت أمام منطق داعش من الجهتين معا! داعش – يا سادة – هي منظومة متكاملة ومتجذرة من المفاهيم والسلوك والقيم والتصورات وأدوات التفكير والفهم والإرث التاريخي والثقافي، وما ذلك التنظيم المسلح وتلك العناصر التي تخرج من هنا أو هناك إلا خلاصة الصديد الذي يخرج من الجرح، بينما الجرح في مكانه لا يزال – وسيظل – يفرز المزيد والمزيد. داعش (الخشنة) إنما هي طفح سلوكي ومفاهيمي لأدبيات داعش (الناعمة)، الثانية تؤسس للأولى وتمدها بالتغذية البشرية اللازمة مع الزمن.. إقصاء المخالف، والاعتقاد بتفوق الذات دينيا هي ذاتها ما قامت عليه داعش الخشنة.. التحريض ضد المختلف فكريا والتأليب عليه هما أيضا صورة من صور القتل الناعم للآخر ولوجوده وحقه في الاختلاف والحياة والتفكير.. تلك الرغبة في إنهاء وجود المخالف وقمعه لا تختلف كثيرا عن مشاهد قطع الرؤوس وحرق الأجساد.. هي ذات الرغبة المتأججة، هي نفسها تلك الناعمة ستتحول إلى خشنة متى ما أمسكت بالسكين والنار والسلطة. داعش الناعمة تتبرأ من داعش الخشنة علنا لكنها لا تزال تدعمها من خلال الأفكار غير المباشرة التي لا يظهر أثرها إلا مستقبلا في طمس إنسانية وعقول أجيال متعاقبة.. داعش الخشنة رفعت شعار (لا إله إلا الله) على أسنة الرماح وحاربت الناس، بينما داعش الناعمة رفعت مفاهيم (المرأة، والفضيلة، والتغريب، والمنكرات.. إلخ) على أسنة الأقلام والمايكروفونات وحاربت الحياة والتنمية والإنسان والزمن والمستقبل.. كلا السياقان يستخدم ذات الاستراتيجية التي تتغول في استثمار أي شعار يحمل قيمة يمكن رفعها كقميص عثمان. إن علاج مظاهر العنف والإرهاب يبدأ من خلال علاج المفاهيم الأحادية التي تشكل ثقافة مجتمع ما، حيث يبدأ العلاج أولا من خلال إدانة (الحسم القاطع) للتصورات والآراء والفتاوى والاجتهادات، وكف الأذى المتعدي بسبب لغة الإقصاء وتضخيم الذات، والاعتراف بحق الآخر في الحياة، حينها سيبدأ الذهن الجمعي تلقائيا في التآلف مع مفاهيم التنوع والتعددية، وبالتالي التآلف المفضي للتعايش مع ذلك الآخر أو حتى مع الأفكار الأخرى، وحينها سوف تذوب كل مظاهر التصلب الفكري، والجفاف الإنساني، والكساح المعرفي والإدراكي في مجتمع أصبح تماما خارج التاريخ والزمن.