الرأي

المواطنة الرقمية.. والمناهج التعليمية

نورة صالح الذويخ
أطلقت وزارة التعليم مؤخرا في خطوة رائدة عددا من المناهج التعليمية الجديدة، تضمنت منهج التفكير الناقد ومنهج القانون، وهي خطوة تسعى من خلالها لتهيئة الطلاب للتكيف مع متطلبات العصر الحالي وتعزيز مهارات التفكير والوعي بالحقوق في المواقف الحياتية المتنوعة. فالتوجه لتطوير مناهج التعليم العام يظهر حرص المسؤولين على تطبيق منهجيات التحول الوطني عبر إعداد طلاب مكتسبين لمهارات العمل والمستقبل وبناء شخصية الطالب المتكاملة لتحقيق رؤية 2030.

ونظرا لسمة عصرنا الذي يعتمد على التقنيات الحديثة في تلبية مختلف متطلبات الحياة كالتواصل والتعليم والعمل، أصبح من الملاحظ ملازمة أدوات التكنولوجيا الرقمية لأيدي الأبناء وتفاعلهم مع التقنية ومحتواها وشبكات التواصل الاجتماعي التي كسرت حاجز الوقت والمكان ليسهل التواصل مع مختلف الأشخاص والانفتاح على العالم في وقت مبكر، وهو جانب يتضمن مكاسب وتحديات.

ومن جانب آخر فإن توجهات المملكة نحو التحول الرقمي تتطلب رقمنة الأعمال والجهات الحكومية والقطاعات لتنفيذ الخدمات للمواطنين والمقيمين الكترونيا، لذا من الضروري وفقا لمتغيرات العصر الراهن الاهتمام بدمج مهارات وثقافة المواطنة الرقمية في مناهج التعليم العام، وتربية الطلاب على المسؤوليات والحقوق في العالم الرقمي، وحمايتهم ضد التحديات والمخاطر الفكرية في البيئات الرقمية، وهو مطلب أصبح ضرورة ملحة في عصر الثورة المعلوماتية وثورة تكنولوجيا الاتصال الرقمية.

فمثلما يتعين على الطلاب أن يتعلموا كيف يصبحون مواطنين صالحين داخل مجتمعاتهم المحلية، فإنهم بحاجة ماسة إلى معرفة أخلاقيات التعامل مع البيئات الرقمية وأدواتها التقنية ليتمكنوا من حماية أنفسهم ومعرفة حقوقهم، ليصبحوا أفرادا قادرين على التصرف بذكاء ووعي داخل المجتمع الرقمي.

لذا ظهر في السنوات الأخيرة مفهوم المواطنة الرقمية، ونادى عدد من خبراء التربية بأهمية توعية الطالب وتثقيفه بسلوكيات المواطن الرقمي، وبادرت الدول المتقدمة بدمجها في إطار مناهجها التعليمية الرقمية وتثقيف الطلاب عبر محتوى يتناسب مع عمر وقدرة المتعلمين على الفهم والتطبيق، كما أطلقت أستراليا مثلا مشروعا وطنيا متكاملا تحت شعار «الاتصال بثقة: تطوير مستقبل أستراليا الرقمي»، والذي يهدف إلى تعليم المواطنة الرقمية للطلاب وتدريب المعلمين والآباء.

ويقصد بمفهوم المواطنة الرقمية الاستخدام المسؤول والأخلاقي والآمن من جانب الأفراد لتقنية المعلومات والاتصالات، كأعضاء في المجتمع المحلي، وكمواطنين في المجتمع العالمي(Jones & Shao, 2011). فالمواطنة الرقمية هي المعايير والسلوكيات الملائمة والمسؤولة عند استخدام تكنولوجيا المعلومات، وتظهر أهميتها بالنظر إلى تبني الجمعية الدولية لتكنولوجيا التعليم ISTE- International Society for Technology in Education للمواطنة الرقمية ضمن معايير تكنولوجيا التعليم للطلاب، كما أطلق المجلس الأوروبي مشروع تعليم المواطنة الرقمي (DCE) Digital Citizenship Education بهدف تمكين الأطفال من خلال التعليم والمشاركة الفعالة في المجتمع الرقمي.

وتتضمن المواطنة الرقمية تسعة عناصر، تتمثل في: الحقوق والمسؤوليات الرقمية، الصحة الرقمية، الوصول الرقمي، القانون الرقمي، الثقافة الرقمية، الأمن الرقمي، التجارة الرقمية، الاتصال الرقمي، قواعد السلوك الرقمي (Ribble & Bailey، 2007). وقد صممت المنظمة غير الربحيةCommon Sense Education منهجا شاملا للمواطنة الرقمية، بهدف إكساب الطلاب التفكير النقدي والتصرف بأمان والمشاركة بمسؤولية في العالم الرقمي.

هذه العناصر التسعة تساعد الطلاب على حماية أنفسهم ضد التحديات الفكرية والرقمية، واحترام الآخر والوعي بحقوقه وواجباته، والالتزام بمعايير السلوك الأخلاقي عند التعامل مع الآخرين أو المحتوى المعرفي وحقوق الملكية الفكرية، وهو ما يتطلب دمج المواطنة الرقمية في مناهج التعليم السعودي من مرحلة رياض الأطفال حتى المراحل الجامعية، لينشأ الطالب وهو يدرك أساليب التعامل الصحيحة والسليمة لأدوات تكنولوجيا المعلومات، مكتسبا المعرفة والممارسات المسؤولة التي من شأنها حماية الفرد والمجتمع وتحقيق أحد محاور الرؤية، وهو «مجتمع حيوي».

n_thw@