موضوعات الخاصة

20 قضية تلاحق نظام الأسد في أوروبا

20 قضية تلاحق بشار الأسد في أوروبا تطالب بمحاكمته كمجرم حرب

يحاول مجموعة من ناشطين ومحامين سوريين اختبار حدود القانون الدولي، إذ يقومون بمحاولتين جديدتين لتقديم النظام السوري بقيادة بشار الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وبحسب موقع ذي إنترسبت، أرسل لاجئون سوريون يقيمون في الأردن من خلال محامين مقيمين في لندن رسائل إلى مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، يطلبون منها ممارسة الاختصاص القضائي على سوريا.

وتمثل الرسائل أحدث محاولة للمدنيين السوريين لمحاكمة الحكومة التي دمرت وحشيتها حياتهم، بعدما جرب محامون سوريون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان الجوانب التي نادرا ما تستخدم في القانون الدولي، ونجحوا في جعل المحاكم الأوروبية والأمريكية تتناول الفظائع المرتكبة في سوريا.

وذكرت المديرة القانونية والقضائية في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، مي السعدني، أنه «نظرا إلى تسييس الحرب في سوريا، فإنه يجب على المحامين وأولئك الذين يناضلون من أجل محاكمة النظام أن يتحلوا بالإبداع. المراسلات الأخيرة المتعلقة بالمادة 15 والموجهة للمحكمة الجنائية الدولية هي دليل على ذلك، فهناك مساحة للإبداع فيما يتعلق بالمحاكمة».

سنوات الغضب

تأتي هذه الجهود مع دخول الصراع السوري عامه التاسع، ففي 15 مارس 2011 خرج السوريون إلى الشوارع للتظاهر في يوم الغضب، مستلهمين ذلك من موجة الاحتجاجات التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولم يحجم ضحايا الحرب عن السعي لتحقيق العدالة، حيث قال المحامي السوري في مجال حقوق الإنسان أنور البني «إن أحد أهداف جهودهم هو إرسال رسالة قوية، مفادها أنه لا ينبغي ضم أي من الأعضاء الرئيسيين في النظام السوري الحالي في أي فترة انتقالية، أو حل سياسي للصراع السوري»، وأضاف: هدف عملنا هو منع أي محاولة لإعادة تأهيل مجرمي الحرب والأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية. من المستحيل أن تستقر سوريا ما لم تتم محاسبة هؤلاء المجرمين.

جريمة ضد الإنسانية

أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بناء على نظام روما الأساسي، وهي تمتلك سلطة التحقيق في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان. وكثيرا ما يقال عن هذه المحكمة إنها محكمة الملاذ الأخير، فهي تنظر في القضايا التي لا تستطيع محاكم الدول النظر فيها.

ولأن سوريا لم تصدق على نظام روما الأساسي فإن المحكمة ليس لديها أساس مستقل للاختصاص القضائي، ومع ذلك فإن حكما صادرا عن المحكمة العام الماضي في قضية تتعلق باضطهاد ميانمار لأقلية الروهينجا قد فتح آمالا جديدة لأولئك الذين يأملون في مثول النظام السوري أمام المحكمة الجنائية الدولية. ففي سبتمبر الماضي أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية حكما تمهيديا يقول إن المحكمة من الممكن أن تمارس اختصاصا قضائيا بشأن ترحيل الروهينجا من ميانمار، وهي ليست دولة عضوة في المحكمة الجنائية الدولية، إلى بنجلاديش التي هي عضوة في المحكمة. ويعتبر الترحيل جريمة ضد الإنسانية. وعللت المحكمة كلامها بأن أحد عناصر الجريمة، عبور الحدود، وقع في بنجلاديش، وهذا أدى لإنشاء الاختصاص القضائي.

الترحيل القسري

يقول السوريون إن المحكمة الجنائية الدولية لها اختصاص قضائي على عمليات الترحيل من سوريا إلى الأردن، وهي طرف في نظام روما الأساسي، وموطن ما يزيد على مليون لاجئ سوري.

وقدم مركز غرنيكا للعدالة الدولية ومقره لندن رسالة بموجب المادة 15 إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودة، في 4 مارس، يطلب منها فتح تحقيق في الترحيل القسري للسوريين إلى الأردن.

كما قدمت مجموعة من المحامين بقيادة رودني ديكسون من مجموعة تيمبل جاردن تشامبرز الحقوقية رسالة مشابهة في 7 مارس بالنيابة عن 28 لاجئا سوريا في الأردن.

وفي بيان لـموقع «ذي إنترسبت» أكد مكتب المدعي العام استلام المراسلات المتعلقة بسوريا، وكتب مكتب فاتو بنسودة «كما نفعل مع جميع المراسلات المماثلة، سنقوم بتحليل المواد المقدمة حسب الاقتضاء، وفقا لنظام روما الأساسي، باستقلال ونزاهة تامين. وبمجرد أن نتوصل إلى قرار بشأن الخطوة التالية المناسبة سنقوم بإبلاغ المرسل، وتوضيح أسباب قرارنا».

5 ملايين لاجئ

يمكن للمدعية العامة فاتو بنسودة أن ترفض اتخاذ إجراء، أو أن تقرر من جانب واحد فتح تحقيق أولي. هناك خيار ثالث، وهو تقديم مذكرة قبل المحاكمة تطلب من الدائرة القضائية للمحكمة أن تبت في الاختصاص، وهذا ما فعلته فاتو بنسودة في قضية ميانمار، ثم ستطلب المحكمة من سوريا الرد، ومن الأردن إبداء رأيه.

في العام الماضي رحبت بنجلاديش بالتحقيق في ترحيل الروهينجا إلى أراضيها، أما فيما يتعلق بسوريا فإن رد الأردن سيشكل فرقا، وهذا ما وضحه محامي حقوق الإنسان أنور البني، حيث قال «الطرف الذي يتعين عليه طلب إجراء تحقيق هو الحكومة الأردنية، لأنها تمثل الطرف الذي تعرض للضرر».

لكن توبي كادمان، محامي مجموعة غرنيكا التي قدمت مذكرة في قضية الروهينجا، يقول إنه على الرغم من دعوة الأردن للرد، إلا أن قرار المحكمة سيعتمد على الضرر الذي عانى منه اللاجئون السوريون، وليس على ما إذا كان الأردن يشجع على إجراء تحقيق. طلب من السفارة الأردنية في واشنطن تقديم تعليق لكنها لم ترد، وأضاف «في الواقع أعتقد أن القضية أقوى في حالة سوريا مما كانت عليه في حالة الروهينجا».

وأشار إلى أن حجم النزوح في سوريا أكبر بكثير، «حيث فر حوالي 5 ملايين سوري من البلاد منذ عام 2011، مقارنة بحوالي 730 ألف لاجئ من الروهينجا»، وبينما ركز المحامون في ملفاتهم على جريمة الترحيل إلا أنهم تناولوا أيضا جرائم أخرى حدثت في سوريا، مثل استخدام الأسلحة الكيماوية، والقصف العشوائي للمناطق المدنية، والتعذيب، بالإضافة للمخاطر التي قد يواجهها اللاجئون عند عودتهم إلى سوريا، مثل التجنيد والاعتقال.

المصاعب والتحديات

قال المحامي السوري بمركز غرنيكا القانوني إبراهيم العلبي «لقد قابلت سوريين لم يكن لديهم خيار البقاء في بلدهم، ولم يكن لديهم خيار العودة إليه، وهذا في العادة يعني أنك تتحدث إلى أشخاص تم اعتقالهم، أو أشخاص يخشون الاعتقال. قابلت كذلك أشخاصا لا علاقة لهم بالانتفاضة، وتم القبض عليهم واحتجازهم وتعذيبهم بأبشع الوسائل الممكنة».

وقال رودني ديكسون «من المهم أن نفهم أنه من أجل إثبات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية يتعين على المدعية العامة إثبات وجود هجوم على السكان المدنيين. يمكن استخدام جميع الجرائم الأخرى التي حدثت في سوريا من قبل المدعية العامة لإثبات وقوع هجوم على السكان المدنيين، والترحيل هو جزء من تلك الجرائم»، مضيفا: هذا مهم لأنه يتيح للضحايا الحديث، ويمنح الفرصة للمدعية العامة لإثبات وجود نمط وسياسة أوسع نطاقا للجرائم. وهو ما سيكون مهما جدا، ويمكن استخدامه لاحقا في هذه القضية لرفع قضية بخصوص الترحيل وغير ذلك من الجرائم ضد الإنسانية.

حق الفيتو

تمثل المحاولات القانونية التي قام بها السوريون لمحاولة رفع قضيتهم أمام المحكمة الجنائية قيدا آخر، ففي حالة وجود أدلة على حدوث جرائم محتملة فإن التحقيقات في الجرائم المرتكبة في الدول التي لم تصدق على نظام روما الأساسي تكاد تكون مستحيلة بسبب مسألة الاختصاص القضائي، كما يسارع أعضاء مجلس الأمن إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لإعاقة التحقيقات في الجرائم التي يرتكبها حلفاؤهم. وهذا هو ما يجعل الطرق المختلفة التي يسلكها السوريون مهمة للغاية، فاعتبارا من مارس الماضي:
  • رفع أكثر من 20 دعوى قضائية أمام المحاكم الأوروبية تتعلق بالفظائع التي يرتكبها النظام السوري والمقاتلون المتمردون وتنظيم داعش وغير ذلك من الجماعات الأصولية المسلحة.
  • رفعت عائلة ماري كولفين (صحفية أمريكية قتلت عام 2012 أثناء تغطيتها للأحداث في مدينة حمص) دعوى قضائية ضد الحكومة السورية في محكمة محلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي يناير حملت المحكمة سوريا مسؤولية قتل ماري.
  • رفع كثير من القضايا في أوروبا بناء على مذهب قانوني يعرف باسم الولاية القضائية العالمية. ويختلف تطبيق هذا المذهب من بلد إلى آخر، لكنه يسمح للمحاكم بشكل أساسي بالبت في القضايا بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، أو ما إذا كان لدى الطرف المتهم أي صلة بالدولة التي تحاكمه.
النجاح الأكبر

اعتقلت السلطات الألمانية الشهر الماضي ضابطا سابقا رفيع المستوى في المخابرات السورية، واثنين آخرين متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لقيامهم بتعذيب المعتقلين في السجون السورية.

هذه المحاولات ممكنة جزئيا بسبب المستوى غير المسبوق من توثيق الجرائم في سوريا، فتم التعرف إلى الضحايا في بعض القضايا من مجموعة مكونة من 28 ألف صورة لأشخاص قتلوا في مراكز الاعتقال السورية، وهذه الصور هربها إلى خارج البلاد منشق عسكري أطلق على نفسه اسم القيصر.

توثيق الجرائم

دربت مجموعات، مثل غرنيكا والبرنامج السوري للتطوير القانوني الذي أسسه إبراهيم العلبي أثناء دراسته للحقوق عام 2014 ، محامين وناشطين في مجال حقوق الإنسان على كيفية توثيق الفظائع بطريقة تجعل الأدلة مقبولة في المحكمة.

وقال إبراهيم العلبي عن البرنامج السوري للقانون السوري «ما فعلناه على سبيل المثال هو مساعدة الناشطين في كيفية التوثيق بطريقة قانونية، لذلك فقد قمنا بإنشاء أسئلة لمقابلات الشهود للمنظمات التي كانت توثق النزوح القسري، وساعدنا المنظمات التي تعمل على قضايا الأسلحة الكيميائية، ووضعناها معا في إطار قانوني، وهو ما أدى إلى جميع التقارير المختلفة التي استخدمناها في مذكرة غرنيكا».

يستغل السوريون كل أداة في جعبتهم لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم بموجب القانون الدولي، ومع ذلك يأمل الكثير منهم بمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم في سوريا يوما ما بعد انتهاء الصراع، إذ أكد أنور البني: يجب أن تتم المحاكمات في سوريا بالتأكيد، لكن علينا أولا الوصول إلى هناك والاستعداد لعقد المحاكمات في سوريا، والاستعداد للعدالة الانتقالية، لكن للوصول إلى هناك نحتاج إلى إثبات أن هؤلاء الأشخاص مجرمون، ولا يجب لأحد أن يتعامل معهم بأي شكل من الأشكال.

مساءلة المجرمين

وبينما يعزز النظام السوري انتصاره العسكري يصعب تصور احتمال قيام دولة – أو فترة من العدالة الانتقالية - بعد الأسد. وتقول مي السعدني إنه حتى ذلك الحين فإن مجرد عملية الضغط من أجل مساءلة المجرمين بكل طريقة ممكنة لها عدد من الفوائد، وقالت «الأفراد الذين كانوا يعتقد أنه لن يمكن مساءلتهم أبدا يخضعون للمساءلة، أو يتم جمع أدلة تدينهم. هذه مهمة في حد ذاتها. إن عملية المشاركة في هذه القضايا، وعملية توثيق الأدلة، وحتى عملية التحدث بصوت عال عن الانتهاكات التي يتعرض لها الضحايا ومن يرتكبها، كل هذه الأمور مهمة من منظور التوثيق، ومن منظور التئام جروح الضحايا، ومن منظور تخليد الذكرى، وتعليم الأجيال الجديدة، لكيلا تتم إعادة كتابة تاريخ الثورة والحرب في سوريا بعد عقود من الآن».