الرأي

تنافس البث .. رث وغث

مع دخول الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك، ينقسم العباد بين عاكف قارئ للقرآن الكريم أو منغمس في الأمور الاجتماعية أو متابع للفضائيات فيما تبث خلال هذا الشهر، أو بين هذا وذاك، ولكل منهم الحق فيما يتبع ويستهوي. أما أنا فقضيتي هنا في هذه الزاوية فيما يبث عبر الفضاء، والذي من شأنه رفع المنسوب الثقافي لدى الشارع العربي، ولا سيما أن هذا الموسم يعد الأول في المتابعة التلفزيونية مقارنة بمختلف مواسم السنة الهجرية.

لكن فيما يبدو لي ومن خلال السنوات الأخيرة أن تنافس القنوات الفضائية يكمن فيمن يهوي لأسفل القاع أولا ليحصد أعلى المشاهدات العربية سريعا. هذا الطرح الفضائي الخطير على الأجيال الحالية من شأنه توجيه الشعوب نحو ثقافة خاوية لا تستبصر طريقها نحو المعرفة.

على سبيل الاستذكار الشجن - وأقول شجن

- كون الطرح الحالي يعد فقيرا مقارنة بما مضى كان التلفاز في شهر رمضان مصدرا لتحديث المعلومات والاستنارة بمعارف وثقافات جديدة عبر ما يطرح بين أضلع الشاشة الفضية، مثلا كنا نجد في الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله وبرنامجه اليومي «على مائدة الإفطار» وجبة دسمة في التوعية بمفاهيم الحياة من منظور ديني، وترسيخ المحبة والود في أطر إسلامية نستشعر بها رحمة ديننا الحنيف.

وكان لرائد الإعلام المرئي والمسموع الأستاذ ماجد الشبل رحمه الله دوره الرمضاني، وذلك في برنامجه الثقافي «حروف»، ومن بعده الإعلامي الأستاذ حامد الغامدي في برنامج «سباق المشاهدين»، فهذه البرامج كانت من روافد المعرفة للجيل السابق، إذ أذكر في سنوات عرضها كنا نتسابق في معرفة الحلول الثقافية، بل إن في بعضها ما يحث على العملية البحثية للمعرفة، وذلك بطرح سؤال يومي بعد انتهاء البرنامج كما هو الحال مع برنامج «مسابقة رمضان للكبار» للإعلامي الدكتور سليمان العيدي.

أما على صعيد الترفيه الفني فمن منا لا يتذكر المسلسل الأول عربيا «طاش ما طاش» الذي يناقش قضايا المجتمع في قالب فكاهي، بل ويجسد حقيقة المثل القائل «شر البلية ما يضحك».

إن التحول الإعلامي من التقليدية التلفزيونية إلى الحداثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها قد حدا بالبث التلفزيوني الرمضاني لمرحلة أشبه بالجنون الفضائي، وذلك محاولة منه لاستدراك المتابع العربي وجذبه ولو كان ذلك على حساب رعونة المحتوى المُرسل، وما يؤسف أن الاستمرارية في هذا الطرح دليل جذب لبعض المشاهدين ممن لا يكترث بالحصافة الموضوعية.

لإيجاد الحلول في هذه المنطقة الشائكة ولاستخراج جيل يعي معنى الثقافة وأهمية المعرفة، لا بد من تكثيف ورش العمل بين وزارتي الثقافة والإعلام لاستهداف الجيل الحالي بما يعود على الوطن بالمنفعة. وإن كان الإشكال فيما أرى هو تصدر مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي في عملية جذب فئات الأطفال والمراهقين والشباب؛ فمن الممكن الاستفادة من طاقات المشاهير بنقلهم للتلفاز، وذلك بصنع محتوى مراقب يعيد الهرم الثقافي المقلوب لوضعه الصحيح، وهذا يكون في الموسم الرمضاني على أقل تقدير.

أما في غير هذا الموسم فعلى هاتين الوزارتين الاعتناء بما يبثه هؤلاء المشاهير من خلال هواتفهم المتنقلة، بل وتحفيزهم إن تطلب الأمر في عملية التنوير المجتمعي.

@SAlqahtani0