الإرهاب في باريس.. والاعتذار والتبرير في تويتر!

أحيت أحداث الهجمات الإرهابية على باريس نقاشا واسعا بين السعوديين في مواقع الشبكات الاجتماعية، وأضحت موضوعا للمزايدة بين التيارات الفكرية المتصارعة في المملكة،

أحيت أحداث الهجمات الإرهابية على باريس نقاشا واسعا بين السعوديين في مواقع الشبكات الاجتماعية، وأضحت موضوعا للمزايدة بين التيارات الفكرية المتصارعة في المملكة، فتباينت المواقف المعلنة تجاه هذه الأحداث، فبعضهم سارع لإعلان اعتذاره ـ وباسم الجميع ـ للشعب الفرنسي عن هذه الأحداث. في المقابل اعترض آخرون على هذه الصيغ الاعتذارية شكلا ومضمونا، موضحين أنهم وبكل بساطة لم يقترفوا أي جرم ليعتذروا عنه! وذهب بعض السعوديين إلى إعلان التضامن مع الفرنسيين في محنتهم، بينما ذكّر آخرون بالمجازر التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر ومالي، ورفضها المتكرر للاعتذار عنها، مبينين أن تقاعس فرنسا عن القيام بدورها في الأزمة السورية دفعت ثمنه داخل أراضيها. في واقع الأمر، لست معنيا بالصراعات الفكرية بين التيارات، ولست مهتما بالحالة السياسية والظروف الإقليمية، لكنني بالتأكيد منشغل بالشراكة الإنسانية، حيث أنظر إلى الأحداث الإرهابية في باريس من منظور إنساني، فمقتل أي مدني أعزل هو جريمة وعمل إرهابي لا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ تسويغه أو تبريره، وقطعا ليس من الإنسانية التعاطف مع هذا العمل الإرهابي، الذي يمثل حدثا مؤلما وعملا جبانا ووحشيا، بغض النظر عن كُنه المستهدف، أو مكان وقوعه. وينبغي عليّ ـ بوصفي سعوديا عربيا مسلما ـ إدانة هذا التصرف، فإن لم أفعل ذلك فسأفقد معياري الأخلاقي في تجريم الأعمال الإرهابية التي ارتكبت في المملكة، وكذلك ستسقط الورقة الأخلاقية التي ألوح بها ضد الإرهاب الذي طال ـ ولا يزال ـ اليمنيين والسوريين والعراقيين والفلسطينيين. فليس من المنطق أو الأخلاق مطالبة العالم ـ بمختلف أعراقه ودياناته ـ بإدانة قتل المدنيين العزل في السعودية واليمن وسوريا والعراق وفلسطين، فيما نسوغ أو نبرر قتل المدنيين العزل في مكان آخر! إن عدم إدانة الأحداث الإرهابية في باريس والعالم يتيح للآراء المتطرفة في أوروبا أو أمريكا استغلال ذلك وتوظيفه لتعزيز الصورة النمطية المنتشرة عن المسلمين، والتي تسوّق استخدام المسلمين للعنف كوسيلة للتعامل مع الآخر. إن عدم الوقوف مع الإنسانية ضد الإرهاب يوحي للآخر بأنه تأييد للإرهاب وتنظيماته، ولا سيما مع حالة الغضب التي تعتري العالمين الإسلامي والعربي تجاه السياسات الأوروبية والأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن تسويغ أو تبرير الأعمال الإرهابية في باريس وغيرها، إنما هو محاولة بائسة يلجأ إليها الإنسان غير السوي لتصويب العنف والقتل والدمار والإفساد في الأرض، وتحسين الإرهاب والدفاع عنه أو التغاضي عن قبحه. وفي كثير من الأحيان يستخدم هؤلاء أسلوب المغالطات المنطقية ـ حتى ولو كانت كل المعطيات صحيحة ـ لبناء حجة تؤدي إلى النتيجة المطلوبة والمحددة سلفا! إما بتحريف حجة الآخر، أو بإثارة المشاعر، أو شخصنة النقاش، أو انتقاء المعطيات. ومع انتشار الأعمال الإرهابية في العالم، خاصة أن أكثر المتضررين منها هم المسلمون أنفسهم، فإنه يجب على البشر التوحّد والوقوف معا لمكافحة ومحاربة الإرهاب، المهدد الأول لأمن واستقرار الحياة البشرية. فعند وقوع أية حادثة إرهابية، ينبغي إدانتها فورا والتضامن مع ذوي ضحاياها، لأن الإنسان هو الإنسان، بصرف النظر عن لونه ودينه وجنسه وعرقه.