الأصدقاء المؤذون!
سنابل موقوتة
الاثنين / 24 / شعبان / 1440 هـ - 19:00 - الاثنين 29 أبريل 2019 19:00
قبل سنين لا أذكر عددها وحين وجدت إعلانات لبيع حسابات في وسائل التواصل بالمتابعين أو الأصدقاء ـ حسبما تسميهم بعض التطبيقات ـ كتبت عن رغبتي الجادة في بيع أصدقائي الحقيقيين، والحقيقة أني لم أكن جادا كثيرا، ليس لأني متمسك بهم ولكن لأني أعلم أنه لن يشتريهم أحد. هي أشبه بالرغبة في بيع مفاتيح منزل ليس له أبواب.
كنت أظن حينها أني الوحيد على هذا الكوكب المتورط في أصدقائه، ثم كبرت ـ ليس كثيرا ـ واكتشفت أني لست الوحيد، وأن الأمر ليس متعلقا بالأفراد فقط، الدول أيضا تعاني من ذات الورطة، ومشكلة بعض الأصدقاء أنهم أشد ضررا من الأعداء، فالعدو مريح والتعامل معه أسهل من التعامل مع الأصدقاء المؤذين، لأن العدو واضح، ولا مجال لافتراض حسن النية في أي تصرف يقوم به مهما بدا شكل ذلك التصرف، كل عمل أو قول يصدر من العدو هو في الحقيقة مضنة سوء نية، ورغبة في الضرر، حتى يثبت العكس.
لكن التعامل مع الأصدقاء مربك، لأن تصرفاتهم وأفعالهم أحيانا تكون مؤذية أكثر مما يفعل الأعداء، وفي الأوقات الصعبة، فإن خذلان الأصدقاء أشد ألما من خسارة المعارك مع الأعداء.
وهذه النوعية المؤذية من الأصدقاء لا تخرج في الغالب عن صنفين، الأول ليس عدوا لكنه أناني، يحبك حينما لا تتعارض مصالحكما، لكنك أنت وصداقتك أرخص من مصلحته، ولا يتردد كثيرا قبل أن يضحي بك، وقد يتألم قليلا ثم ينسى. أما الصنف الآخر فقد أصبح صديقا بسبب سوء تقديرنا، لأنه ليس كذلك، وهو عدو وجد أن أفضل طريقة لمحاربتك هي أن يدعي صداقتك، صداقته هي أقوى أسلحته للقضاء عليك.
وفي مرحلة ما قد تتقدم وقد تتأخر تكتشف أن أصدقاءك ليسوا سوى أعداء، وأنك غايتهم وأن محبتهم الظاهرة لك لم تكن إلا حصان طروادة الذي أدخلوا به أذاهم إلى قلبك/وطنك.
وعلى أي حال..
فقد عزمت منذ أمد بعيد أن أكتفي بما لدي من أصدقاء، طيبهم وشريرهم، فقد تعودت على التعامل معهم وأصبحت أعرفهم وأتجنب أذاهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأعترف أن الذي ساعدني على ذلك هو أني لست دولة، لأن الدول تضطر إلى صداقات ضارة، وأظن أن المتنبي كان يؤسس لقاعدة مهمة في العلاقات الدولية حين قال:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
وبواسطة معادلة المتنبي يمكن أن تعرف نفسك، فإذا لم تنكد حياتك صداقة الأعداء فإنك لست حرا بما يكفي. لا أكثر ولا أقل. وهذه منقبة أخرى من مناقب العبودية الجميلة، وتاج على رؤوس العبيد لا يراه مرضى الحرية.
agrni@
كنت أظن حينها أني الوحيد على هذا الكوكب المتورط في أصدقائه، ثم كبرت ـ ليس كثيرا ـ واكتشفت أني لست الوحيد، وأن الأمر ليس متعلقا بالأفراد فقط، الدول أيضا تعاني من ذات الورطة، ومشكلة بعض الأصدقاء أنهم أشد ضررا من الأعداء، فالعدو مريح والتعامل معه أسهل من التعامل مع الأصدقاء المؤذين، لأن العدو واضح، ولا مجال لافتراض حسن النية في أي تصرف يقوم به مهما بدا شكل ذلك التصرف، كل عمل أو قول يصدر من العدو هو في الحقيقة مضنة سوء نية، ورغبة في الضرر، حتى يثبت العكس.
لكن التعامل مع الأصدقاء مربك، لأن تصرفاتهم وأفعالهم أحيانا تكون مؤذية أكثر مما يفعل الأعداء، وفي الأوقات الصعبة، فإن خذلان الأصدقاء أشد ألما من خسارة المعارك مع الأعداء.
وهذه النوعية المؤذية من الأصدقاء لا تخرج في الغالب عن صنفين، الأول ليس عدوا لكنه أناني، يحبك حينما لا تتعارض مصالحكما، لكنك أنت وصداقتك أرخص من مصلحته، ولا يتردد كثيرا قبل أن يضحي بك، وقد يتألم قليلا ثم ينسى. أما الصنف الآخر فقد أصبح صديقا بسبب سوء تقديرنا، لأنه ليس كذلك، وهو عدو وجد أن أفضل طريقة لمحاربتك هي أن يدعي صداقتك، صداقته هي أقوى أسلحته للقضاء عليك.
وفي مرحلة ما قد تتقدم وقد تتأخر تكتشف أن أصدقاءك ليسوا سوى أعداء، وأنك غايتهم وأن محبتهم الظاهرة لك لم تكن إلا حصان طروادة الذي أدخلوا به أذاهم إلى قلبك/وطنك.
وعلى أي حال..
فقد عزمت منذ أمد بعيد أن أكتفي بما لدي من أصدقاء، طيبهم وشريرهم، فقد تعودت على التعامل معهم وأصبحت أعرفهم وأتجنب أذاهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأعترف أن الذي ساعدني على ذلك هو أني لست دولة، لأن الدول تضطر إلى صداقات ضارة، وأظن أن المتنبي كان يؤسس لقاعدة مهمة في العلاقات الدولية حين قال:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
وبواسطة معادلة المتنبي يمكن أن تعرف نفسك، فإذا لم تنكد حياتك صداقة الأعداء فإنك لست حرا بما يكفي. لا أكثر ولا أقل. وهذه منقبة أخرى من مناقب العبودية الجميلة، وتاج على رؤوس العبيد لا يراه مرضى الحرية.
agrni@