من يعيد إلينا فرحة المطر؟

في قيظنا وحرنا الحارقين، كان قدوم المطر كقدوم العيد ولبس الجديد، كان كفسحة من الأخضر في وسط الصحراء، كان كالضيف العزيز يحل محملا بالهدايا والحكايات

في قيظنا وحرنا الحارقين، كان قدوم المطر كقدوم العيد ولبس الجديد، كان كفسحة من الأخضر في وسط الصحراء، كان كالضيف العزيز يحل محملا بالهدايا والحكايات. كنا إذا ما شممنا رائحته انتعشت حواسنا، وركضنا لنقف على الشبابيك ننتظر هطوله، فإذا ما هطل اندفعنا إلى فسحاتنا في الأسطح والأحواش، لنستمتع بزخاته وهي تحل بردا وسلاما على كل ما تسقط عليه، وهي تبللنا ونحن نتراقص ونتضاحك تحتها، مدخلة على قلوبنا السرور بصفائها ونقائها، مستشعرين ما تعلمناه بأن المطر رحمة، وبأن مياهه بركة، وبأن هطوله هدية من رب كريم. ترى ماذا حصل فتحولت زخات الرحمة إلى زخات من عذاب؟ ترى ماذا حصل حتى صرنا نخاف مما كنا نفرح به؟ ونرجو الله ونسأله اللطف مما كنا نستجديه ونشكره عليه؟ من يا ترى سرق منا ومن أولادنا فرحة المطر؟ من شوه رائحته العطرة التي تغنى بها الشعراء على مر الزمن؟ من أحال مياهه إلى برك من فضلات وعفن؟ وجعل غزارته ونقاء مياهه سيولا جرارة لا تبقي ولا تذر؟ ترى من حول طقوس المطر في بيوتنا من وزف ورز بعدس، إلى فزع وهلع؟ ترى من حول ساعات الرحمة التي تستجاب فيها الدعوات حين تفتح السماء إلى أجراس إنذار، وصور متناثرة للمآسي والخرابات؟إنني وإن كنت حزينة على أرواح أهدرت، وعلى ممتلكات جرفت، وعلى بنى تحتية دمرت فإنني أيضا حزينة على فرحة قتلت، وعلى بهجة وئدت، فلقد سرق الفساد والإهمال منا نعمة إلهية، وعطية سماوية، وحولاها إلى كارثة ستحل، ومصيبة نحتاج الهروب منها، فإن كان جيلنا قد استمتع بنعمة المطر صغارا، فما ذنب صغارنا من أن تسلب منهم هذه النعمة، ليس هذا فحسب، بل وتتحول إلى نقمة ومصيبة؟ ولكن مهما حصل فسيظل المطر نعمة، وسنظل ندعو الله أن يسوقه إلينا، وسنستمتع بزخاته وهي تغسل قلوبنا وأسطح بيوتنا، ونحن نعي في الوقت نفسه أن لكل حدث حكمة، وأن لكل واقعة مفصلا، وأن تاريخا يتكرر هو تقصير في الواقع، وأن إصلاح الواقع هو ما سيشكل المستقبل. فإن كنتم أيها الفاسدون قد سرقتم منا فرحة المطر، وحولتم مدننا إلى مستنقعات من عفن، فأمام الله نطالب المسؤولين بمحاسبة المقصرين.