الرأي

قاعدة التوازن المالي.. معرفة غائبة

أريد أن أوجه سؤالا لكل واحد منا عن عدد مصادر المال لديه، وأحسب أن معظمنا لن يجدوا إلا مصدرا واحدا فقط. وأقصد بمصادر المال، مثل الوظيفة التي من خلالها تحصل على راتب شهري منتظم، وبالتالي فإن معظمنا لديهم مصدر الوظيفة التي يذهبون لها صباحا ويعودون منها مساء. من هذه النقطة نسأل سؤالا آخر في نفس السياق وهو عن أوجه الصرف، ومرة أخرى إننا جميعا أو معظمنا لدينا عدة أوجه للصرف، وأقصد بأوجه الصرف مثل التسوق وجلسات المقاهي والمطاعم والسفر والرحلات، وأقساط السيارة الجديدة، وشراء أجهزة الكترونية أو الهاتف الذكي الجديد، إلى آخر قائمة طويلة من أوجه صرف الأموال لا تنتهي.

والحقيقة الواضحة أن أوجه الصرف أكثر بمراحل من طرق كسب المال، ومن البدهي أن نجد عجزا دائما، ومن الطبيعي أن نشعر أننا بحاجة للمال بشكل مستمر، وعندها نسمع كل هذا الصراخ والعويل والشكوى من الغلاء ومن ارتفاع الأسعار، ورغم أنه فعلا يوجد ارتفاع وغلاء في الأسعار، إلا أننا نملك بطريقة أو أخرى التخفيف على أنفسنا.

قاعدة التوازن بين ما نكسب من مال وبين احتياجاتنا معدومة تماما، معرفة أن جميع ما ذكرته من مستلزمات هي عبارة عن ترفيه وجوانب يمكن الاستغناء عنها تماما وتوفير المال، تكاد تكون معرفة معدومة عند السواد الأعظم. ومع الأسف النهم الاستهلاكي في تزايد وتنام، ومع تطور تقنيات الاتصال بات هناك تشجيع غير مباشر على السلوك الاستهلاكي، فالتطبيقات التي نحملها على هواتفنا تمدنا بصفقات تظهر لنا مربحة فنقوم بشراء مستلزمات في الحقيقة لا نحتاجها.

أتذكر في بداية شهر نوفمبر الماضي أن مقر عملي ضج بأحاديث الموظفين عن قرب تخفيضات هائلة في يوم العزاب، يقدمها أحد المتاجر العالمية، وتجد الجميع متحفزا للشراء، وبعد انتهاء ذلك اليوم ظهر خبر في الصحف، أن المكاسب التي تحققت على مستوى العالم خلال الساعة الأولى فقط تقدر بأكثر من ثمانية مليارات دولار، وهو ما يعني بحسب أحد المواقع الإخبارية أن مبيعات يوم واحد تجاوزت دخل قناة السويس.

قصة يوم العزاب بدأت في التسعينات عندما بدأ الصينيون بالاحتفال بهذا اليوم كوسيلة للبحث عن الزوجة المناسبة، لكن نجح المسوقون والتجار في استغلال هذه المناسبة وأدخلوا عادات التسوق الالكتروني لشراء الهدايا ونحوها، واليوم بات يوم الحادي عشر من شهر نوفمبر مناسبة عالمية، لاستهلاك مزيد من البضائع الراكدة في المتاجر. وهناك أيام استهلاكية مماثلة تتصاعد فيها أرقام المشتريات لدرجة كبيرة جدا. الذي أريد الوصول له أن الكثيرين منا بحاجة لمعرفة وضعهم المالي ومقدار محفظتهم، والتعامل بواقعية مع حجمهم الحقيقي، بعيدا عن المظاهر وتكبيد النفس أقساطا شهرية غير مبررة.