كليات الآداب منارات خابية!
الثلاثاء / 4 / شعبان / 1440 هـ - 19:15 - الثلاثاء 9 أبريل 2019 19:15
كل جامعة من جامعاتنا العزيزة تحوي كلية للآداب والعلوم الإنسانية، وبعضها تستقل فيها كلية للغة العربية وآدابها، وبعضها للأسف الشديد ألغت المسار الأدبي، وبعضها ساعدت في تكريس سلبية النظرة إلى كليات الآداب، فلم تعد النظرة إليها كالكليات التطبيقية لا من الجامعات نفسها ولا من الدارسين، فالطالب الذي لم يسعفه معدله في دخول الكليات الأخرى يجد كلية الآداب ملاذه الأخير، خاصة أقسام اللغة العربية، فيدخلها مكرها على أمل الانتقال إلى كليات أخرى حين يجد المعدل المناسب، وكل ذلك بضغط من سوق العمل والتوظيف، حتى انساقت بعض الجامعات اليوم إلى محاولات تكييف برامجها لتناسب سوق العمل، إمعانا في ترسيخ ثقافة الدارس الموظف، مما سيؤدي مستقبلا إلى تحول الجامعات إلى مجرد كليات مهنية، تخرج نسخا مكررة من التقنيين!
تجزيء العلوم ضرورة عصرية، ومن المحمود أن يتعمق الدارس في تخصص بعينه حتى يتقنه، لكن من غير المحمود أن يتخرج طالب الطب والعلوم التطبيقية والتقنية والإدارة والفنون والرياضة وغيرها خلوا من أدب بلاده وثقافتها، أو ضعيفا في لغتها، وكليلا عن الإحاطة بتاريخ بلاده وأمته، ولا يجيد أبجديات المنطق والتفكير الناقد، ومن المنطقي والواجب أن تسعى الجامعات إلى تعزيز هذه الجوانب في طلاب الكليات الأخرى، فلسنا بحاجة إلى تخريج تقنيين وفنيين فقط.
كليات الآداب مسؤولة أيضا عن تجديد خطابها وعصرنته بما يناسب المراحل الحديثة، وأن تقدم الدرس الإنساني بطرائق مختلفة عن السائد، فما تزال التقليدية والتلقينية والحشد الكمي الهائل يسيطر على المحتوى المقدم للدارسين، يقابلها ضعف أو انعدام البرامج التطبيقية، والبرامج الجاذبة للدارسين من شباب هذا العصر، ولا يعني هذا التنازل العلمي، بل يقصد إلى تجديد أدوات وطرائق تقديم العلوم الإنسانية بكيفية مناسبة.
من جهة أخرى، كليات الآداب بيوت خبرة في الجامعات بما تحويه من أساتذة ومفكرين، ومن غير المنطقي أن تنكفئ على ذاتها، وتكتفي بالتدريس وتخريج الطلاب، بل يجب أن يكون لها تماسها الخاص مع الكليات الأخرى داخل الجامعة، ويمتد تماسها الفعلي إلى مؤسسات المجتمع الثقافية والاجتماعية والتاريخية والإعلامية، وأن تكون لها صلاتها الوثقى بأدباء ولغويي ومثقفي ومؤرخي وإعلاميي وفلاسفة المنطقة من خارج منسوبي الجامعة، وأن تكون لها بصماتها الواضحة والمؤثرة، فهي أقرب الكليات إلى المجتمع.
أسئلة شتى ترفرف في ذهني: هل لدى أقسام اللغة العربية في جامعاتنا قوائم بأدباء ولغويي المنطقة، وبرامج مستقطبة لهم؟ وهل لديها في مقرها أو في المكتبة المركزية مكتبة خاصة محددة المعالم للأدب السعودي؟ وهل لديها تعاون وثيق وشراكات حقيقية مع المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة؟ ومثل ذلك لأقسام التاريخ: هل لديها مكتبة لتاريخ المملكة والعرب وعلاقات بالمؤسسات التاريخية؟ وهل أقسام الإعلام مراجع حقيقية حول الإعلام السعودي؟ وهل تقوم بمهام إعلامية حقيقية من خلال صحيفة الجامعة أو قنواتها الالكترونية بما يخدم الكلية والجامعة والمنطقة؟ وهل لأقسام الاجتماع حراكها الاجتماعي الفاعل وتقديم الحلول الناجعة للقضايا الاجتماعية؟ وهل تضطلع أقسام اللغات الأجنبية بترجمة النتاج العلمي والأدبي السعودي، وتعريب مستجدات العلوم الإنسانية والآداب؟ وما علاقة كل هذه الأقسام ببعضها البعض، وما الأواصر الرابطة بينها؟ أم إنها مجرد تجميع تحت مظلة كلية الآداب بغرض الهيكلة الإدارية!
كليات الآداب يجدر بها أن تكون منارات ثقافية في مدنها، لكن المؤسف أنها لم تعد منارة داخل الجامعات نفسها، وهذا يرجع إلى نظرة بعض صانعي القرار داخل الجامعة، فالتخصصات أو التوجهات أحيانا يكون لها دور في تلك النظرة، وربما يرجع السبب إلى كلية الآداب نفسها ونظرتها إلى ذاتها بدونية عن الكليات الأخرى، واستسلامها لضعف الإمكانات، أو شح الموارد.
العصرانية والعلمية والتقدم التقني بكافة أشكاله وحجج سوق العمل، لا تبرر ولا تسوغ إهمال الشق الإنساني والفكري، فإن خرجت الجامعات تقنيين على أعلى درجات الكفاءة في الطب والهندسة والحاسب والإدارة والتربية وغيرها فإنهم يظلون مؤطرين بأطر تخصصاتهم الضيقة، أما صقل الفكر وتحريك ملكات التفكير الإبداعي وسعة الأفق في التعاطي مع القضايا والتعقيدات ـ فغالبا ـ ما تأتي من المسار الإنساني، لأنه يضع بين يدي الدارس تجارب الأحياء والأموات، ويحرك أفكاره في عوالم شاسعة، متباينة التضاريس والألوان والطعوم.
ahmad_helali@
تجزيء العلوم ضرورة عصرية، ومن المحمود أن يتعمق الدارس في تخصص بعينه حتى يتقنه، لكن من غير المحمود أن يتخرج طالب الطب والعلوم التطبيقية والتقنية والإدارة والفنون والرياضة وغيرها خلوا من أدب بلاده وثقافتها، أو ضعيفا في لغتها، وكليلا عن الإحاطة بتاريخ بلاده وأمته، ولا يجيد أبجديات المنطق والتفكير الناقد، ومن المنطقي والواجب أن تسعى الجامعات إلى تعزيز هذه الجوانب في طلاب الكليات الأخرى، فلسنا بحاجة إلى تخريج تقنيين وفنيين فقط.
كليات الآداب مسؤولة أيضا عن تجديد خطابها وعصرنته بما يناسب المراحل الحديثة، وأن تقدم الدرس الإنساني بطرائق مختلفة عن السائد، فما تزال التقليدية والتلقينية والحشد الكمي الهائل يسيطر على المحتوى المقدم للدارسين، يقابلها ضعف أو انعدام البرامج التطبيقية، والبرامج الجاذبة للدارسين من شباب هذا العصر، ولا يعني هذا التنازل العلمي، بل يقصد إلى تجديد أدوات وطرائق تقديم العلوم الإنسانية بكيفية مناسبة.
من جهة أخرى، كليات الآداب بيوت خبرة في الجامعات بما تحويه من أساتذة ومفكرين، ومن غير المنطقي أن تنكفئ على ذاتها، وتكتفي بالتدريس وتخريج الطلاب، بل يجب أن يكون لها تماسها الخاص مع الكليات الأخرى داخل الجامعة، ويمتد تماسها الفعلي إلى مؤسسات المجتمع الثقافية والاجتماعية والتاريخية والإعلامية، وأن تكون لها صلاتها الوثقى بأدباء ولغويي ومثقفي ومؤرخي وإعلاميي وفلاسفة المنطقة من خارج منسوبي الجامعة، وأن تكون لها بصماتها الواضحة والمؤثرة، فهي أقرب الكليات إلى المجتمع.
أسئلة شتى ترفرف في ذهني: هل لدى أقسام اللغة العربية في جامعاتنا قوائم بأدباء ولغويي المنطقة، وبرامج مستقطبة لهم؟ وهل لديها في مقرها أو في المكتبة المركزية مكتبة خاصة محددة المعالم للأدب السعودي؟ وهل لديها تعاون وثيق وشراكات حقيقية مع المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة؟ ومثل ذلك لأقسام التاريخ: هل لديها مكتبة لتاريخ المملكة والعرب وعلاقات بالمؤسسات التاريخية؟ وهل أقسام الإعلام مراجع حقيقية حول الإعلام السعودي؟ وهل تقوم بمهام إعلامية حقيقية من خلال صحيفة الجامعة أو قنواتها الالكترونية بما يخدم الكلية والجامعة والمنطقة؟ وهل لأقسام الاجتماع حراكها الاجتماعي الفاعل وتقديم الحلول الناجعة للقضايا الاجتماعية؟ وهل تضطلع أقسام اللغات الأجنبية بترجمة النتاج العلمي والأدبي السعودي، وتعريب مستجدات العلوم الإنسانية والآداب؟ وما علاقة كل هذه الأقسام ببعضها البعض، وما الأواصر الرابطة بينها؟ أم إنها مجرد تجميع تحت مظلة كلية الآداب بغرض الهيكلة الإدارية!
كليات الآداب يجدر بها أن تكون منارات ثقافية في مدنها، لكن المؤسف أنها لم تعد منارة داخل الجامعات نفسها، وهذا يرجع إلى نظرة بعض صانعي القرار داخل الجامعة، فالتخصصات أو التوجهات أحيانا يكون لها دور في تلك النظرة، وربما يرجع السبب إلى كلية الآداب نفسها ونظرتها إلى ذاتها بدونية عن الكليات الأخرى، واستسلامها لضعف الإمكانات، أو شح الموارد.
العصرانية والعلمية والتقدم التقني بكافة أشكاله وحجج سوق العمل، لا تبرر ولا تسوغ إهمال الشق الإنساني والفكري، فإن خرجت الجامعات تقنيين على أعلى درجات الكفاءة في الطب والهندسة والحاسب والإدارة والتربية وغيرها فإنهم يظلون مؤطرين بأطر تخصصاتهم الضيقة، أما صقل الفكر وتحريك ملكات التفكير الإبداعي وسعة الأفق في التعاطي مع القضايا والتعقيدات ـ فغالبا ـ ما تأتي من المسار الإنساني، لأنه يضع بين يدي الدارس تجارب الأحياء والأموات، ويحرك أفكاره في عوالم شاسعة، متباينة التضاريس والألوان والطعوم.
ahmad_helali@