تفاعل

إنه يعلم السر وأخفى

تفاعل

إياس زكري
يقال إن السعودية اكتشفت البترول في عام 1925عن طريق الشركة الأمريكية ستندرد أويل، واكتشفت المواطنين في عام 2010 عن طريق الشركة الأمريكية تويتر. بعيدا عن مدى تقبلك أو اعتراضك على هذه المقولة، دعنا نتفق أننا نتواجد كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من غيرنا. وفي تواجدنا هناك نقول كل شيء عن أي شيء، ونطرح آراءنا ونتفق ونختلف، بل إننا نعبر عن شعورنا الذاتي بأريحية، ولا نتورع في طرح أي شيء يخطر على البال.

الأمر حتى الآن يبدو صحيا كون هذه المنصات جعلت الناس تظهر على حقيقتها نوعا ما، وأننا نسعد بتواصل الغير معنا، فالكل يستفيد من الكل في نقلة حضارية لم تشهدها البشرية من قبل. ولكن هناك أمورا تعتبر كارثة أخلاقية يعاني منها الكثير، وهي أنهم يخرجون من لا يعرفون من المسؤول أو المشهور من التعامل الأخلاقي ويقومون بإهانته وظلمه وتخوينه وشتمه والحديث عنه بالسوء بحرية وكأنهم لن يسألوا أو يحاسبوا عن هذا الفحش في الظن والفعل والقول، أو كأن هؤلاء ليسوا بشرا مثلهم، لا يخضعون لواجب التعامل الإنساني أو الأخلاقي أو العادل على أقل تقدير.

أن يصبح أحد الناس مسؤولا في بلد لا يعني أن دمه مستباح وعرضه مستباح وسمعته مستباحة.. بل إن حدوث ذلك من أي شخص دون ترو وحرص على المصداقية قبل نطق أي وصف على المسؤول أو المشهور يعني أن ذلك الشخص عديم العدل فاحش الظن بذيء اللسان ويحتاج إلى تنبيه أو عقوبة. فالمشاهد لبعض المهاترات التي تحدث هناك تجعل الشخص منا يقف ويسأل سؤالا وجيها: ماذا لو رفعت سلطة القانون الذي تضعه الدول؟ حيث إننا نشاهد أن رادع الدين والأخلاق والإنسانية ليس كافيا لمثل هذه العينات الذين يستسيغون هتك الأعراض ونقل الكذب والافتراء والتخوين فقط لأن المقابل شخص معروف جدا ولا يحبونه، أو أن توجهه يختلف عن توجههم، أو لأنهم يرونه غير كفء لتحمل المسؤولية، وأنه مثال غير جيد للأعراف والثقافة التي ينتمون لها أو لأنه ببساطة أخطأ.

ولتقريب الصورة بشكل أكثر دقة، خذ على سبيل المثال أي موضوع يثير الرأي العام اجتماعيا كان أو ثقافيا أو رياضيا، وانظر للكم الهائل من الردود والعراك الذي يحدث، والذي يتنصر فيه كل فريق على الآخر بكمية السباب واللعان والدعاء على الآخر.

وبالإمكان القياس على المسؤول أو المشهور الذي كتب كلاما غير جيد، أو نقل عنه مقطع غير لائق .. فهو لن يتعرض للتنمر أو الاستهزاء فحسب، بل سنشاهد كمية كبيرة من التشفي والاحتقار، ناسين أو متناسين أننا محاسبون على كل شيء نقوله حتى لو كان ذلك (باسم مستعار).

قضيتنا هنا ليست عن أخطاء الغير ومدى صحتها من عدمها، القضية في محاولة تربية النفس وضبطها والاعتزاز بها من النزول إلى مستوى متدن من الأخلاق والأدب، إلى التعامل بالمنطق والحجة والبرهان بعيدا عن التشخيص.

يقول الله سبحانه وتعالى (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى).