الرأي

مهارة الاستعداء

محمد أحمد بابا
لا مشكلة أن تكون أنت غربيا وأكون عربيا ويكون هو صينيا، ولا أن أكون ذا بشرة سمراء وتكون أنت طويل القائمة ويكون هو من الهنود الحمر، ولا أن تكون أنت من بني زهرة وأكون أنا من بني عطارد وهو من بني المريخ.

لا مشكلة أن تكون نصرانيا أو ذا انحياز مسيحي ويكون هو يهودي الأصل أو الولاء، وأكون أنا مسلما، ولا أن يكون هو صوفي السلوك وتكون هي شيعية المذهب وأكون أنا سني الفكر وتكون أنت ذا إلحاد.

لا مشكلة أن يكون لك رأي مخالف ويكون لي توجه يختلف وتكون له وجهة نظر مغايرة، ويأتي زمان نتبادل القناعات أو تختصر المسافات أو نزيد في خيارات الأفكار بمستجدات أو مستخرجات.

لكن المشكلة أن يقل أدبك في مواضع الأدب، وتفجر خصومتي في مواطن الحلم، وتظهر حقيقته في مراحل الاختبار، وأن نخسر الموضوعية على حساب الاستجابة لنوازع السباب ونفقد المهنية حيث نسرد أصول الحوار، وأن ننسلخ مما نؤمن به لمّا أمنّا المحاسبة، ونسعى للانتقام من ثيابنا لأنها تشبه قماش لباس راهب بوذي، وأن تضيع فينا الحكمة بالحرج، وتعظم فينا الفتنة بخبر إرجاف، ونجعل من أنفسنا أوصياء على الرأي، وحراسا لمواطنة أفواه، وأن تغيب عن ممارساتنا مهارة التفريق بين مذنب وأسرته أو بين مخطئ وبعض معارفه.

إن استغلال الظروف العالمية الراهنة لإذكاء طائفية أو إفساد تلاحم وطن من أبشع الأمور التي يرتكبها بعض كتاب وبعض مشاهير وبعض محللين وبعض أناس فيما أعتقد.

ولعل في الالتزام بتعليمات وأنظمة وقوانين الدولة الملزمة لمن ارتبط معها بعقد مواطنة اجتماعي أو عقد إقامة نظامي أو عقد كينونة عالمي مناط مساحة عظيمة لأن يقوم أهل القرار بمهمتهم، حيث درسوها وقرروها وابتدروها.

ثم إن الحفاظ على أمن المجتمع النفسي بكل شرائحه واختلافاته هو طريق الحق الذي يتوجب اليوم - فيما أظن - علينا جميعا.

فالاعتداءات اللفظية أو الكتابية التي أضحت - وفق رأيي الشخصي - فوضى مهاترات دون تركيز بحث أو تمحيص لا تعدو كونها مجرّمة في القانون، وتبادل الشائعات والمنادمة بالسخرية ما هو إلا وقود استقطاب نحو تخلف الفكر وفساد القلوب.

ومهارة الاستعداء في هذا الزمان أضحت سهلة التناول لمن أدلى بدلوه مع دلاء جمع جمهور أو صنع مشكلة، فتناول التاريخ القريب أو البعيد زمنيا أو جغرافيا باستنقاص أموات وتلفيق تهم للغابرين، وإفراد محكامات لمن لا يمكنهم دفاعا ولا قولا ولا ردا من حيف الفعل وجور الطرح لو خلا من حياد تأصيل، وحينها فالمشكلة إفرازات وليست عوارض أخذ ورد وحرية مبارزات.

السلام العالمي والإقليمي والمحلي بحاجة ماسة جدا لهيكلة الأخلاقيات الفردية لنصنع منها ثقافة معاملات جمعية تسلمنا إلى احترام مفروض ومستحق من عدونا قبل صديقنا وكارهنا قبل محبنا، وأما بوابة التنافر للمجتمعي على حساب الإنسانية الأولى بسبب معتقدات رأي ونظريات تربية فإنها شرعة الفوضى التي لا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت.

ولا زلت مقتنعا ولا يزال الأغلب مثلي مقتنعين بأن ريادة الشعوب بالتطور والنجاحات والبحوث والمبتكرات وتطبيق أفضل الممارسات الكونية هي سبيل النأي بالمجتمعات عن صغائر التنافر وتافه القضايا.

نحن أمة وسط، والوسطية - ربما - ليست وسطا بين نقيضين بقدر ما هي نقطة وسط فيها تتجاذب الأفكار قوتها ويخضع المحتمل للقريب من الصحيح وقتا حتى يصح صحيح غيره فالناس به آخذون.

والاعتدال عدل الاستحقاق أصلا أن لكل شرعة ومنهاج، لا يحقرن جديد قديما ولا يستخفن ملازم قديم بما استجد إلا تدارس رغبة في الدمج والتعاون خيارا أسمى لمن رغب.

albabamohamad@