الرأي

حركة نقل أعضاء هيئة التدريس!

أحمد الهلالي
يوم السبت المشؤوم، حروفه تحزم الروح حتى كأن الدكتورة نورة تصعد إلى السماء، فـ(السبتة) الحزام هي أقرب مفردة تستدعيها كلمة (السبت)، وأول ما يقوله سائق الباص (اربطن الأحزمة) وهو ذات التعبير الذي يذيعه ملاحو الطائرة التي تقل الدكتور ناصر، وذات التعبير الذي يلقيه الدكتور فلاح بطريقته الخاصة لزملائه في سيارته قبل وصول نقطة التفتيش، فعليه دور السيارة هذا الأسبوع، فكل هؤلاء منطلقون من عشية السبت إلى جامعاتهم على اتساع رقعة الوطن، ولن يعودوا إلا مساء (الخميس).

أحاديثهم في الطريق ليست مسلية على الإطلاق، فما تزال وجوه أسرهم متشبثة بأرواحهم، وأصوات الوداع تدوي في أعماقهم، تجرهم إلى الوراء، أطفال وأمهات وآباء، وأزواج وزوجات، ومكاتب جمعوا كتبها من معارض الكتب على أمل البحث، فما تزال طاقاتهم البحثية على أشدها لكن الظروف ليست مواتية مطلقا، معظم أحاديثهم عن (النقل إلى الجامعة القريبة) بين تذمرات وآمال، وتأوهات عدم قبولهم فيها سابقا، ثم رفض انتقالهم إليها.

هذه المرة يقول فلاح (أنا متفائل بالوزير الجديد)، فالرجل بفكره الاقتصادي والأكاديمي سيشعر بمعاناتنا، فنحن ندفع نصف رواتبنا في التنقلات وإيجارات المساكن، ونهدر أوقاتنا التي يمكن أن نستغلها في البحث وتطوير جامعاتنا ومجتمعاتنا، أما في الباص فتنادي نورة على زميلاتها: يا بنات اقرأن تغريدة د.وافي عبدالله، يقترح أن تتيح الجامعات النقل بالبدلاء، يقصد أن كل واحدة تبحث عن بديلة في تخصصها في الجامعة التي تريدها، وتتبادلان الأماكن، فتجيبها الدكتورة هند (لقد أسمعت لو ناديت حيا)!

ناصر في الطائرة يظن أن الراكب بجواره أكاديمي، فيلتفت إليه يحدثه عن رغبته في تفعيل وسم #نقل_أعضاء_هيئة_التدريس، فيبتسم الرجل، أنا متقاعد من التعليم، لكني أرافق ابنتي الدكتورة سوسن ونعود نهاية الأسبوع ونحن على هذه الحال من خمس سنوات، لم نترك بابا إلا وطرقناه، كان حالنا في التعليم العام أفضل من حالكم، فحركة النقل تظل أملا للمعلم، كلما أتعبه الترحال والتنقل تذكرها فهدأت نفسه، أما أنتم فآمالكم خابية، فإن كان القبول صعبا جدا، فالنقل أصعب منه مرتين، لأنه متعلق بقبول جامعتين، وقل لي: من المحظوظ من غير (اللي بالي بالك) يحصل على موافقتهما معا؟!

في الباص تحكي الدكتورة ابتهال عن حرقتها، فقد تعب والدها يسعى خلف معاملتها حتى وفقه الله بالحصول على قبول انتقالها، لكن جامعتها رفضت، وأغلب ظنها أن موقفا شخصيا تسبب في تعنت الجامعة ورفضها، قاطعتها الدكتورة ابتسام: أنا كذلك، لكن حجتهم البائسة أنهم لا يفرطون في الأستاذات المميزات، وقررت أن أتخلى عن (التميز)، لربما ضاقوا ذرعا بي، وقالوا (نفتك منها)!

معاناة هؤلاء الأكاديميين القلقين لا تنقطع، وأملهم كبير في أن يلتفت معالي الوزير إلى معاناتهم، وأن تدرس الوزارة هذا الملف بعناية وتوجد الآليات المناسبة لهم، فالاستقرار النفسي هو أساس الإنتاج والعطاء، ولو وجدوا قبولا في الجامعات القريبة لانتظروا، ولما اضطروا للتقديم على الجامعات البعيدة، لكن السن شرط أساسي في القبول، وقطار العمر لا ينتظر، وستصبح السن حجة لرفض طلباتهم من الجامعات القريبة التي رفضتهم من البداية.

تستطيع الوزارة ـ وهي قديرة ـ أن تفتح قنوات وآليات عديدة، تضيء أملا ـ على الأقل ـ تتشبث به هذه الأرواح الممزقة، فتستطيع أن تبني منظومة الكترونية لطلبات النقل، وتتيح الفرصة لمن تنطبق عليهم شروط البدلاء، ولمن لديهم ظروف إنسانية (قاسية) مثبتة، وتستطيع أن توازن بين شواغر الجامعات وطلبات النقل، ثم تغطي ما تبقى بالمتعاقدين، وتستطيع أن تستثمر هذه المعاناة لصالح جودة البيئة الأكاديمية فتجعل النقل حافزا للتميز، فمن يحقق اشتراطاتها في التميز الوظيفي أو البحثي أو الإنجاز العلمي أو المبادرات وخدمة المجتمع يحصل على النقل مكافأة لجهوده، وتستطيع بناء آلية لحركة نقل للجامعيين ولو بنسبة صغيرة تحد من المعاناة على الأقل، وتستطيع أيضا أن تجبر الجامعات المتعنتة على توفير السكن والمواصلات والحوافز المالية للأساتذة المغتربين عن مدنهم الأصلية.

ahmad_helali@