موضوعات الخاصة

إيران تواجه العطش ونظامها يغرق في الفساد

النظام يغرق في الفساد والمحسوبية ويدمر الموارد البيئية والأنهار العتيقة

27
على مدار عام من الاحتجاجات والعصيان المدني وصعوبة الحياة في إيران، أغفل المراقبون سببا رئيسيا مهما يؤدي إلى زيادة الاضطرابات، يتمثل في النقص المريع للمياه في طهران.

أوضح تقرير لمجلة فورن بوليسي الأمريكية، أن الكثير من الشكاوى السياسية والاقتصادية التي تغذي هذه الاضطرابات ستكون مألوفة لدى المراقبين الأجانب في ظل الأزمات البيئية والطبيعية التي تعاني منها طهران، والتي تضعها على حافة كارثة.

يذهب التقرير إلى أن أحد أسباب أزمة المياه يعود إلى تغير أنماط الطقس، ويقع اللوم على عاتق الحكومة الإيرانية التي تغرق في الفساد والمحسوبية، وخصوصا من يطلقون على أنفسهم المعتدلين والإصلاحيين، مثل الرئيس السابق محمد خاتمي والرئيس الحالي حسن روحاني، فهما يتحملان المسؤولية مثل أي مسؤولين إيرانيين آخرين عن هذه الكارثة، حيث أدى الفساد المستشري للنظام والمحسوبية، وسوء إدارة الموارد البيئية والطبيعية على مدار السنوات الأربعين إلى وصول إيران إلى هذا المنحدر.

ويؤكد على أن النظام فقد الرغبة والقدرة على أن يعمل لصالح شعبه، وليس من المستغرب أن عددا من المزارعين الإيرانيين، الذين كانوا يعتبرون في يوم من الأيام مكونا طبيعيا للنظام الثوري، يدعون الآن إلى الإطاحة به، مشددا على أن البلاد ستواجه الجفاف والتدمير وأن الملايين سيغادرونها في حال استمرت هذه السياسات التي يتبعها النظام الحاكم.

85 % من المياه اختفت

عام 2013 ، أفاد الرئيس السابق لوكالة حماية البيئة في إيران بأن 85 % من المياه الجوفية في البلاد اختفت، بينما تضاعف عدد السكان في الأربعين سنة الماضية.

بحسب وزير الزراعة السابق والرئيس الحالي لوكالة حماية البيئة عيسى كالانتاري، سيضطر الملايين من الإيرانيين إلى الهجرة إلى بلدان أكثر تقدما، خاصة في أوروبا، إذا لم يتم حل أزمة المياه خلال 20 إلى 30 عاما.

قبل ثورة 1979 ، كان عدد سكان إيران أقل من 34 مليون نسمة، وكانت مواردها المائية المتجددة حوالي 135 مليار متر مكعب، غير أنه في السنوات القليلة الماضية، ومع وصول عدد السكان إلى أكثر من 80 مليون نسمة، انخفضت الموارد المائية المتجددة إلى ما يقرب من 80 مليار متر مكعب بسبب انخفاض معدل هطول الأمطار وارتفاع معدل التبخر. وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل استهلاك الفرد، وهذا اتجاه غير مستدام يتجه نحو نتيجة مأساوية.

الأسوأ بدأ مع الثورة

قصة أزمة المياه في إيران بدأت قبل الثورة، عندما قام الشاه محمد رضا بهلوي بتأمين الموارد المائية لإيران، وعلى مدى أكثر من 3000 عام، تجنب الإيرانيون الاستغلال المفرط للطبقات المائية من خلال الاعتماد على القطع الأصلية من البنية التحتية التي يطلق عليها اسم القنوات، والتي تميل قليلا إلى القنوات الجوفية لنقل المياه داخل الأراضي القاحلة وشبه الجافة دون تعريض المياه للشمس، لكن الشاه قدم إلى إيران استخدام تكنولوجيا حفر الآبار العميقة ومضخات المحركات القوية التي بدأت تستنزف طبقات المياه الجوفية في البلاد.

جعلت السنوات الأولى من الثورة الأمور أسوأ، وحذر عدد من خبراء المياه والبيئة الإيرانيين الحكومة الثورية من حدوث انخفاض متوقع في التساقط السنوي نتيجة لتغير المناخ، والذي سيكون له تأثير شديد على المياه السطحية وموارد المياه الجوفية.

استفادة شركات النظام

بدأت الجمهورية الإيرانية ببناء مئات السدود، معظمها غير ضروري تماما، وشبكات جديدة من أنابيب وقنوات نقل المياه، وكان أمل الحكومة الثورية هو أن تسمح هذه الإجراءات بجمع وتزويد ما يكفي من المياه للمشاريع الزراعية والصناعية.

واستفادت شركات البناء المرتبطة بالنظام من بناء السدود، وخاصة تلك التابعة للحرس الثوري، لكن السدود الجديدة منعت الأنهار الرئيسية من الوصول إلى أجزاء عدة من البلاد، وحالت دون تجديد موارد المياه الجوفية، ونتيجة لذلك، بدأ المزارعون في حفر آبار أعمق للوصول إلى جداول المياه الطبيعية التي كانت تغرق تدريجيا.

آبار غير قانونية

شجع النظام الذي يسعى إلى اكتساب الاكتفاء الذاتي في صراعه مع الغرب، المزارعين على زراعة المزيد من القمح والحبوب الأخرى دون الالتفات إلى كثافة المياه من الحبوب والحالة المؤلمة بشكل متزايد في طبقات المياه الجوفية، وأدى ذلك إلى قيام المزارعين بحفر عشرات الآلاف من الآبار، وعدد منها بصورة غير قانونية دون أي إشراف أو مساءلة.

في السنوات الأربعين التي تلت الثورة، ارتفع عدد الآبار في إيران من 60,000 إلى 800,000، وأعلن نائب وزير الزراعة في عام 2018 أن 430,000 من هذه الآبار كانت غير قانونية وأن المزارعين كانوا يضخون كمية كبيرة من المياه من عدد من الآبار القانونية، وباتت جداول المياه على وشك استنفاد كامل.

وبنى النظام الايراني أكثر من 600 سد، ووعد بتوفير المياه الكافية للمزارعين في جميع أنحاء البلاد، وبدلا من ذلك، منعت هذه البنية التحتية المياه من الوصول إلى البحيرات والأراضي الرطبة ومستودعات المياه الجوفية، وبدأت طبقات المياه الجوفية التي لم يتم إعادة شحنها في الانهيار وتهدأ بشكل دائم «وهو تأثير كان واضحا في مناطق الولايات المتحدة مثل فريسنو، وكاليفورنيا».

تدمير النظام البيئي

يتضح تدمير النظام لبيئة إيران ومواردها المائية بشكل لافت في نهر زايانديه المحتضر، كان النهر الذي ينبع من جبال زاغروس في الغرب وينتهي في الأراضي الرطبة غافكوني في وسط إيران، مسؤولا عن الحضارات الأولى في وسط إيران، حيث كان السبب وراء قرون من ازدهار مدينة أصفهان الرائعة، والمعروفة في الفارسي «نصف العالم».

ويستمر الموت للنهر الآن ليدمر حياة الآلاف من المزارعين، وأدى ذلك إلى مظاهرات حاشدة ضد النظام، ليس فقط في أصفهان، بل في مدن أصغر مثل فارزانه وهذا أمر مبرر، وخلال العقود الثلاثة الماضية، شهدت جبال زاغروس تساقطا أقل للثلوج بسبب تغيير أنماط هطول الأمطار، مما أدى إلى تقلص زيانده، لكن الحكومة الإيرانية، بدلا من إيجاد حلول مستدامة للأزمة، عملت بدلا من ذلك على تكثيف وتسريع تدمير النهر من خلال الإهمال والفساد.

المياه المحلاة لإقليم روحاني

وحول سياسيون من بينهم خاتمي والرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني المياه من زياندية لأغراض سياسية، كان لخاتمي دور أساسي في تدمير النهر عن طريق تحويل المياه إلى إقليم يزد الأصلي.

بدوره، أهمل روحاني أزمة المياه في إيران، واختار عدم اتباع سياسات يمكن أن تخفف من نقص المياه، بما في ذلك إدارة طبقات المياه الجوفية، وبناء محطات إعادة تدوير المياه، والحملات العامة التي تشجع الإيرانيين على خفض معدل استهلاكهم، وبدلا من ذلك، فقد دفع لنقل المياه المحلاة إلى مسقط رأسه في سمنان وبناء مزيد من السدود، وتعاملت حكومته مع الاحتجاج على المزارعين في فارزانه وغيرها من الأماكن من خلال الاعتقالات والتعذيب والضرب.

لم تهدد أزمة المياه استقرار النظام فحسب، بل تشكل تهديدا لإيران كدولة كان بإمكانها أن تحافظ على مقدراتها، وإذا لم يتم حل الأزمة خلال 20 إلى 30 سنة، فإن ملايين الإيرانيين سيضطرون إلى المغادرة، وستصبح مناطق بأكملها من البلاد، ولا سيما خوزستان في الجنوب الغربي وبلوشستان في الجنوب الشرقي، غير صالحة للسكن.

خطوات مواجهة الأزمة

خططوا لخفض استهلاك المياه وتنويع إنتاج الغذاء .

تحويل سياسات إدارة المياه نحو إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية .

تصميم تقنيات ري أفضل .

السعي إلى سياسات أكثر استدامة لقطاع الزراعة، والتي تستهلك أكثر من 90% من موارد المياه في إيران.