لماذا تجاهلت أوروبا جرائم القتل الإيرانية؟
لقاءات في جنح الظلام وتسهيلات أوروبية تسهم في تعطيل العقوبات الأمريكية
السبت / 25 / جمادى الآخرة / 1440 هـ - 02:15 - السبت 2 مارس 2019 02:15
إلى متى يستمر الدعم الأوروبي الخفي لإيران؟ هل حان الوقت أن يتوقف عن تعطيل العقوبات الأمريكية التي تستهدف شل قدرة نظام الملالي على تمويل الإرهاب وتصدير الموت؟
أسئلة كثيرة وعلامات استفهام لم يتوقف طرحها في الإعلام الأمريكي أو الغربي، ولا سيما بعد أن ابتدعت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا اتفاقية تجارية تسمى «أنستكس» تهدف إلى مساعدة إيران على تجنب العقوبات الأمريكية وتخفيف وطأتها بشكل كبير.
نقلت صيحفة بيلد الألمانية لقاء مثيرا بين وزير الخارجية الألماني السابق سيجمار غابرييل، ورئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، والمسؤول عن دعم إيران للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط حسين أمير عبدالله، لتكشف بشكل غير مباشر عن الدعم الخفي، والصفقات التي تبرم في جنح الظلام.
نفاق أوروبي وقتل جماعي
كتب الصحفي الإيطالي جوليو ميوتي بمعهد غايتستون أن «الاتحاد الأوروبي يهتم فقط بالاتفاق النووي، فلماذا لم تحاول أوروبا مساءلة إيران عن جرائم القتل الجماعي التي يعتقد أن الخميني أمر بها على قائمة الموت التي نددت بها منظمة مراسلون بلا حدود؟».
وذكر أن منظمة العفو الدولية ذكرت أن إيران اعتقلت العام الماضي أكثر من 7000 شخص في حملة قمع ضد المعارضين والمتظاهرين والطلاب والصحفيين والمحامين ونشطاء حقوق المرأة والنقابيين، ووصفت جماعة حقوق الإنسان الحملة بأنها «حملة قمع مخزية». ووفقا للوثائق الجديدة التي تسربت إلى منظمة «مراسلون بلا حدود» لمراقبة وسائل الإعلام، قام النظام الإيراني بسجن أو إعدام ما لا يقل عن 860 صحفيا في العقود الثلاثة بين عامي 1979 و2009.
تصرفات أوروبية مخجلة
قال نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس في مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن «حان الوقت لشركائنا الأوروبيين التوقف عن تقويض العقوبات الأمريكية»، وفي 31 يناير الماضي أعلنت وزارة خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا بشكل مخجل عن صفقة لمساعدة الشركات الأوروبية التي ترغب في مواصلة التجارة مع إيران لتجنب العقوبات الأمريكية، لكن المسؤولين الأوروبيين لا يعملون فقط على التجارة، وفي حين تستهدف فرق الموت الإيرانية المنشقين على أرض أوروبا، إلا أنها تضفي الشرعية علانية على النظام الإيراني.
وفي الصيف الماضي، جرى إحباط محاولة إيرانية لتفجير جماعة معارضة بالقرب من باريس، وفي أكتوبر استدعت الدنمارك سفيرها إلى طهران بعد منع محاولة اغتيال إيرانية أخرى. وكما ذكرت صحيفة بيلد الألمانية فقد أرسلت وزارة الخارجية الألمانية أخيرا مسؤولين إلى السفارة الإيرانية في برلين للاحتفال بالذكرى الـ 40 لإنشاء الجمهورية الإيرانية، إضافة إلى ذلك سافر وزير الخارجية الألماني السابق سيجمار غابرييل، مع وفد اقتصادي ألماني إلى طهران لتعزيز التجارة بين البلدين.
أنستكس.. خدعة كبيرة
كشف الاتحاد الأوروبي في فبراير الماضي عن طريقة خادعة لتمرير العقوبات الأمريكية، وأصدر اتفاقية دعم التبادل التجاري «أنستكس» التي أجمع المراقبون على أنها لم تطرح بهدف مواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران ولا حتى للتبادل المالي، وإنما لإبعاد البنوك الأوروبية عن العقوبات، ولمواصلة تصدير إيران منتجاتها إلى الدول الأوروبية، رغم أنها وقعت تحت شعار تسهيل تجارة السلع الإنسانية بين الاتحاد الأوروبي وإيران.
في الوقت الحاضر، لا تندرج هذه السلع ضمن نطاق العقوبات الأمريكية، لكن المشاركين في القطاع الخاص الذي يتراوح بين البنوك وشركات الأدوية لا يزالون مترددين في ممارسة الأعمال التجارية في البلاد.
تنبع هذه المخاوف من بيئة أعمال تفتقر إلى حكم القانون، وتخفي مشاركة المواطنين على قائمة الأصول المالية، والمجموعات الإرهابية مثل الحرس الثوري، والكيانات الحكومية الأخرى ضمن القنوات التجارية المشروعة، أحد الأمثلة على ذلك هو بنك بارسيان، وهو بنك إيراني خاص مسؤول عن التعامل مع جزء كبير من المعاملات الإنسانية، والذي يجري تعيينه من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في أكتوبر 2018 لارتباطات مع الباسيج.
الأزمة وبنوك أوروبا
كتب مايكل غرينوالد على موقع مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في كلية كينيدي في جامعة هارفارد « قبل الأزمة المالية عام 2008، لم تكن هناك أوهام حول حجم ونطاق البنوك الأمريكية، مع غولدمان ساكس، ومورغان ستانلي وجي بي مورغان، وغيرها، حيث تتمتع جميعها بسمعة عالمية، ومع ذلك كانت البنوك الاستثمارية الأوروبية الدولية جيدة التطور، وحافظت على سمعتها العالمية، وفي بعض الحالات تفوقت على منافسيها الأمريكيين».
وأضاف «كان عام 2006 آخر عام قبل الأزمة المالية، حيث تقلصت العديد من البنوك في الاقتراض العالمي، حتى سوق الأسهم الأمريكية بلا منازع، وشهدت البنوك الأوروبية مشاكل وتقسيمات عديدة، مما قلص حصة البنوك الأوروبية في السوق وارتفاع نظيراتها الأمريكية، ولا يمكن القول إن أي حالة فردية تشير إلى ذلك أكثر من دويتشه بنك.
صدام أمريكي أوروبي
سيطرت البنوك الأمريكية على السوق الأوروبية الغربية ولم يقم دويتشه بنك بعروض الأسهم الأوروبية الغربية منذ عام 2014، مع السيطرة الأمريكية وبنك يو بي إس على المراكز الثلاثة الأولى منذ ذلك الحين، فإن دويتشه يواجه بيئة مصرفية ألمانية فريدة تهيمن عليها مؤسسات مملوكة للقطاع العام ليس لديها حافز ربح.
بالنسبة للمحاربين الماليين في وزارة الخزانة الأمريكية، فإن احتمال توسيع نظام أنستكس كان مثيرا للبعض، فقبل الإعلان عن تركيزه على السلع الإنسانية، كان هناك اعتقاد سائد بأن بروكسل ستحاول وضع نظام المقاصة في مؤسسة ذات سيادة، مثل البنك المركزي الأوروبي أو البنك المركزي الوطني والبنك المركزي الألماني، من خلال القيام بذلك، فإن بروكسل ستجبر وزارة الخزانة على أحد أمرين:
- أن تتخلى واشنطن عن فرض عقوبات على المؤسسات ذات السيادة، وفي حال قيامها بذلك، فإن ذلك سيؤدي إلى الإذلال.
- أن تفرض واشنطن عقوبات على بنك مركزي وتفتح أبواب الفيضانات، من الأسواق المالية لعدم الاستقرار غير المسبوق. ويمكن لهذه الأخيرة أن تثير أزمة منطقة اليورو بسهولة وتثير مناقشات جادة حول الآثار الحتمية لسياسة العقوبات.
النظام المحظور
كتب السفير الفخري جان دي رويت زميل المعهد الملكي للعلاقات الدولية «القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات على إيران حطم تفاهما دوليا أقره قرار مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك، يجب على الشركات الأوروبية وغيرها من الشركات التي تتعامل مع إيران الالتزام بالقانون الأمريكي لتجنب آثاره خارج حدود أراضيها على عملياتها في الولايات المتحدة».
ولفت إلى أن العقوبات ضد الأطراف الدولية المارقة تعمل بشكل أفضل عندما تكون مدعومة على نطاق واسع، وعندما يجري تقريرها من قبل الأمم المتحدة من المتوقع أن تحظى باحترام عالمي. فالعقوبات ضد روسيا المرتبطة بأزمة أوكرانيا تعمل بشكل جيد طالما أنها مدعومة من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وحقيقة خطة العمل المشتركة متجذرة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما يجعل موقفهم أقوى، وقد أقرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الالتزام بالخطة، ومع ذلك فإن الشركات الأوروبية والمواطنين الأوروبيين ملزمون باحترام العقوبات الأمريكية إذا كانوا لا يريدون أن يعاقبوا أنفسهم.
فرض العقوبات
أصبح فرض العقوبات الأمريكية خارج الحدود، موضوع نزاع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في وقت مبكر وبالتحديد عام 1996 مع «قانون الحرية والتضامن الديمقراطي الكوبي»، المعروف باسم قانون هيلمز - بيرتون الذي مدد التطبيق الإقليمي للحصار الأمريكي على الشركات الأجنبية المتداولة مع كوبا، في ذلك الوقت كان الاتحاد الأوروبي يحاول تحسين علاقاته مع الجزيرة، واتفق على تشريع من شأنه التحايل على العقوبات الأمريكية، بما يسمى «حظر النظام الأساسي».
يسمح النظام الأساسي لمشغلي الاتحاد الأوروبي باسترداد الأضرار الناشئة عن العقوبات خارج الحدود الإقليمية من الأشخاص الذين تسببوا فيها، ويلغي تأثير الاتحاد الأوروبي في أي حكم قضائي أجنبي يستند إلى هذه العقوبات، وكما كان متوقعا، فإن أول رد فعل من جانب الاتحاد الأوروبي بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران كان يتمثل في تحديث نظام الحظر الأساسي من خلال جعله قابلا للتطبيق على العقوبات الأمريكية الجديدة، حيث يؤدي فرض اللائحة التنظيمية للحظر على الشركات الأوروبية، بما في ذلك الشركات الأوروبية التابعة للشركات الأمريكية، إلى فرض التزامات قانونية متضاربة، وفي نهاية المطاف، ليس لديهم خيار كبير سوى الامتثال لقانون الولايات المتحدة وليس لقانون الاتحاد الأوروبي.
القوة العليا
قدمت قضية إيران حججا جديدة للاتحاد الأوروبي وأعضاء الأمم المتحدة الآخرين للتشكيك في الممارسة التي اتخذتها الولايات المتحدة على نفسها لاتخاذ القرارات لبقية العالم، ومزيد من العقوبات الأحادية تقررها واشنطن وحدها، دون التشاور مع الاتحاد الأوروبي أو أي شريك آخر، ولكن يتم فرضها أيضا على الشركات غير الأمريكية تحت تهديد الغرامات الضخمة.
في الآونة الأخيرة وافق Société Générale على دفع مبلغ 1.34 مليار دولار لتسوية إجراء من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بسبب انتهاكات العقوبات الأمريكية التي تستهدف كوبا وإيران والسودان، وكان انتهاك العقوبات الأمريكية ضد إيران أيضا عاملا رئيسا في تحفيز الطلب الأمريكي إلى كندا للقبض على المسؤول المالي الرئيس في هواوي مينغ وانتشو وتسليمه للسلطان الأمريكية.
وفي مقال نشر أخيرا حول «الهيمنة الأمريكية» يقتبس البروفسيور جوزيف ناي من جامعة هارفارد من المنظر المحافظ الجديد المعروف روبرت كاغان الذي ذكر أن «النظام العالمي الليبرالي، مثل أي نظام عالمي، هو أمر مفروض، وبقدر ما ربما كنا في الغرب نرغب في فرضه قبل الفضيلة، وتفرضه عادة سلطة متفوقة».
أسئلة كثيرة وعلامات استفهام لم يتوقف طرحها في الإعلام الأمريكي أو الغربي، ولا سيما بعد أن ابتدعت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا اتفاقية تجارية تسمى «أنستكس» تهدف إلى مساعدة إيران على تجنب العقوبات الأمريكية وتخفيف وطأتها بشكل كبير.
نقلت صيحفة بيلد الألمانية لقاء مثيرا بين وزير الخارجية الألماني السابق سيجمار غابرييل، ورئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، والمسؤول عن دعم إيران للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط حسين أمير عبدالله، لتكشف بشكل غير مباشر عن الدعم الخفي، والصفقات التي تبرم في جنح الظلام.
نفاق أوروبي وقتل جماعي
كتب الصحفي الإيطالي جوليو ميوتي بمعهد غايتستون أن «الاتحاد الأوروبي يهتم فقط بالاتفاق النووي، فلماذا لم تحاول أوروبا مساءلة إيران عن جرائم القتل الجماعي التي يعتقد أن الخميني أمر بها على قائمة الموت التي نددت بها منظمة مراسلون بلا حدود؟».
وذكر أن منظمة العفو الدولية ذكرت أن إيران اعتقلت العام الماضي أكثر من 7000 شخص في حملة قمع ضد المعارضين والمتظاهرين والطلاب والصحفيين والمحامين ونشطاء حقوق المرأة والنقابيين، ووصفت جماعة حقوق الإنسان الحملة بأنها «حملة قمع مخزية». ووفقا للوثائق الجديدة التي تسربت إلى منظمة «مراسلون بلا حدود» لمراقبة وسائل الإعلام، قام النظام الإيراني بسجن أو إعدام ما لا يقل عن 860 صحفيا في العقود الثلاثة بين عامي 1979 و2009.
تصرفات أوروبية مخجلة
قال نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس في مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن «حان الوقت لشركائنا الأوروبيين التوقف عن تقويض العقوبات الأمريكية»، وفي 31 يناير الماضي أعلنت وزارة خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا بشكل مخجل عن صفقة لمساعدة الشركات الأوروبية التي ترغب في مواصلة التجارة مع إيران لتجنب العقوبات الأمريكية، لكن المسؤولين الأوروبيين لا يعملون فقط على التجارة، وفي حين تستهدف فرق الموت الإيرانية المنشقين على أرض أوروبا، إلا أنها تضفي الشرعية علانية على النظام الإيراني.
وفي الصيف الماضي، جرى إحباط محاولة إيرانية لتفجير جماعة معارضة بالقرب من باريس، وفي أكتوبر استدعت الدنمارك سفيرها إلى طهران بعد منع محاولة اغتيال إيرانية أخرى. وكما ذكرت صحيفة بيلد الألمانية فقد أرسلت وزارة الخارجية الألمانية أخيرا مسؤولين إلى السفارة الإيرانية في برلين للاحتفال بالذكرى الـ 40 لإنشاء الجمهورية الإيرانية، إضافة إلى ذلك سافر وزير الخارجية الألماني السابق سيجمار غابرييل، مع وفد اقتصادي ألماني إلى طهران لتعزيز التجارة بين البلدين.
أنستكس.. خدعة كبيرة
كشف الاتحاد الأوروبي في فبراير الماضي عن طريقة خادعة لتمرير العقوبات الأمريكية، وأصدر اتفاقية دعم التبادل التجاري «أنستكس» التي أجمع المراقبون على أنها لم تطرح بهدف مواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران ولا حتى للتبادل المالي، وإنما لإبعاد البنوك الأوروبية عن العقوبات، ولمواصلة تصدير إيران منتجاتها إلى الدول الأوروبية، رغم أنها وقعت تحت شعار تسهيل تجارة السلع الإنسانية بين الاتحاد الأوروبي وإيران.
في الوقت الحاضر، لا تندرج هذه السلع ضمن نطاق العقوبات الأمريكية، لكن المشاركين في القطاع الخاص الذي يتراوح بين البنوك وشركات الأدوية لا يزالون مترددين في ممارسة الأعمال التجارية في البلاد.
تنبع هذه المخاوف من بيئة أعمال تفتقر إلى حكم القانون، وتخفي مشاركة المواطنين على قائمة الأصول المالية، والمجموعات الإرهابية مثل الحرس الثوري، والكيانات الحكومية الأخرى ضمن القنوات التجارية المشروعة، أحد الأمثلة على ذلك هو بنك بارسيان، وهو بنك إيراني خاص مسؤول عن التعامل مع جزء كبير من المعاملات الإنسانية، والذي يجري تعيينه من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في أكتوبر 2018 لارتباطات مع الباسيج.
الأزمة وبنوك أوروبا
كتب مايكل غرينوالد على موقع مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في كلية كينيدي في جامعة هارفارد « قبل الأزمة المالية عام 2008، لم تكن هناك أوهام حول حجم ونطاق البنوك الأمريكية، مع غولدمان ساكس، ومورغان ستانلي وجي بي مورغان، وغيرها، حيث تتمتع جميعها بسمعة عالمية، ومع ذلك كانت البنوك الاستثمارية الأوروبية الدولية جيدة التطور، وحافظت على سمعتها العالمية، وفي بعض الحالات تفوقت على منافسيها الأمريكيين».
وأضاف «كان عام 2006 آخر عام قبل الأزمة المالية، حيث تقلصت العديد من البنوك في الاقتراض العالمي، حتى سوق الأسهم الأمريكية بلا منازع، وشهدت البنوك الأوروبية مشاكل وتقسيمات عديدة، مما قلص حصة البنوك الأوروبية في السوق وارتفاع نظيراتها الأمريكية، ولا يمكن القول إن أي حالة فردية تشير إلى ذلك أكثر من دويتشه بنك.
صدام أمريكي أوروبي
سيطرت البنوك الأمريكية على السوق الأوروبية الغربية ولم يقم دويتشه بنك بعروض الأسهم الأوروبية الغربية منذ عام 2014، مع السيطرة الأمريكية وبنك يو بي إس على المراكز الثلاثة الأولى منذ ذلك الحين، فإن دويتشه يواجه بيئة مصرفية ألمانية فريدة تهيمن عليها مؤسسات مملوكة للقطاع العام ليس لديها حافز ربح.
بالنسبة للمحاربين الماليين في وزارة الخزانة الأمريكية، فإن احتمال توسيع نظام أنستكس كان مثيرا للبعض، فقبل الإعلان عن تركيزه على السلع الإنسانية، كان هناك اعتقاد سائد بأن بروكسل ستحاول وضع نظام المقاصة في مؤسسة ذات سيادة، مثل البنك المركزي الأوروبي أو البنك المركزي الوطني والبنك المركزي الألماني، من خلال القيام بذلك، فإن بروكسل ستجبر وزارة الخزانة على أحد أمرين:
- أن تتخلى واشنطن عن فرض عقوبات على المؤسسات ذات السيادة، وفي حال قيامها بذلك، فإن ذلك سيؤدي إلى الإذلال.
- أن تفرض واشنطن عقوبات على بنك مركزي وتفتح أبواب الفيضانات، من الأسواق المالية لعدم الاستقرار غير المسبوق. ويمكن لهذه الأخيرة أن تثير أزمة منطقة اليورو بسهولة وتثير مناقشات جادة حول الآثار الحتمية لسياسة العقوبات.
النظام المحظور
كتب السفير الفخري جان دي رويت زميل المعهد الملكي للعلاقات الدولية «القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات على إيران حطم تفاهما دوليا أقره قرار مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك، يجب على الشركات الأوروبية وغيرها من الشركات التي تتعامل مع إيران الالتزام بالقانون الأمريكي لتجنب آثاره خارج حدود أراضيها على عملياتها في الولايات المتحدة».
ولفت إلى أن العقوبات ضد الأطراف الدولية المارقة تعمل بشكل أفضل عندما تكون مدعومة على نطاق واسع، وعندما يجري تقريرها من قبل الأمم المتحدة من المتوقع أن تحظى باحترام عالمي. فالعقوبات ضد روسيا المرتبطة بأزمة أوكرانيا تعمل بشكل جيد طالما أنها مدعومة من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وحقيقة خطة العمل المشتركة متجذرة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما يجعل موقفهم أقوى، وقد أقرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الالتزام بالخطة، ومع ذلك فإن الشركات الأوروبية والمواطنين الأوروبيين ملزمون باحترام العقوبات الأمريكية إذا كانوا لا يريدون أن يعاقبوا أنفسهم.
فرض العقوبات
أصبح فرض العقوبات الأمريكية خارج الحدود، موضوع نزاع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في وقت مبكر وبالتحديد عام 1996 مع «قانون الحرية والتضامن الديمقراطي الكوبي»، المعروف باسم قانون هيلمز - بيرتون الذي مدد التطبيق الإقليمي للحصار الأمريكي على الشركات الأجنبية المتداولة مع كوبا، في ذلك الوقت كان الاتحاد الأوروبي يحاول تحسين علاقاته مع الجزيرة، واتفق على تشريع من شأنه التحايل على العقوبات الأمريكية، بما يسمى «حظر النظام الأساسي».
يسمح النظام الأساسي لمشغلي الاتحاد الأوروبي باسترداد الأضرار الناشئة عن العقوبات خارج الحدود الإقليمية من الأشخاص الذين تسببوا فيها، ويلغي تأثير الاتحاد الأوروبي في أي حكم قضائي أجنبي يستند إلى هذه العقوبات، وكما كان متوقعا، فإن أول رد فعل من جانب الاتحاد الأوروبي بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران كان يتمثل في تحديث نظام الحظر الأساسي من خلال جعله قابلا للتطبيق على العقوبات الأمريكية الجديدة، حيث يؤدي فرض اللائحة التنظيمية للحظر على الشركات الأوروبية، بما في ذلك الشركات الأوروبية التابعة للشركات الأمريكية، إلى فرض التزامات قانونية متضاربة، وفي نهاية المطاف، ليس لديهم خيار كبير سوى الامتثال لقانون الولايات المتحدة وليس لقانون الاتحاد الأوروبي.
القوة العليا
قدمت قضية إيران حججا جديدة للاتحاد الأوروبي وأعضاء الأمم المتحدة الآخرين للتشكيك في الممارسة التي اتخذتها الولايات المتحدة على نفسها لاتخاذ القرارات لبقية العالم، ومزيد من العقوبات الأحادية تقررها واشنطن وحدها، دون التشاور مع الاتحاد الأوروبي أو أي شريك آخر، ولكن يتم فرضها أيضا على الشركات غير الأمريكية تحت تهديد الغرامات الضخمة.
في الآونة الأخيرة وافق Société Générale على دفع مبلغ 1.34 مليار دولار لتسوية إجراء من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بسبب انتهاكات العقوبات الأمريكية التي تستهدف كوبا وإيران والسودان، وكان انتهاك العقوبات الأمريكية ضد إيران أيضا عاملا رئيسا في تحفيز الطلب الأمريكي إلى كندا للقبض على المسؤول المالي الرئيس في هواوي مينغ وانتشو وتسليمه للسلطان الأمريكية.
وفي مقال نشر أخيرا حول «الهيمنة الأمريكية» يقتبس البروفسيور جوزيف ناي من جامعة هارفارد من المنظر المحافظ الجديد المعروف روبرت كاغان الذي ذكر أن «النظام العالمي الليبرالي، مثل أي نظام عالمي، هو أمر مفروض، وبقدر ما ربما كنا في الغرب نرغب في فرضه قبل الفضيلة، وتفرضه عادة سلطة متفوقة».