المجتمع ومتلازمة سنو وايت..!
سنابل موقوتة
الثلاثاء / 21 / جمادى الآخرة / 1440 هـ - 20:45 - الثلاثاء 26 فبراير 2019 20:45
ليست لدي مشكلة في الدفاع عن داود الشريان، أو مهاجمته، ولكني في الحقيقة لم أكن أرغب في فعل ذلك، ليس لأني لا أحبه، أو لأن برنامجه لا يعجبني، ولكن لأنه ببساطة يملك أكثر من مجرد منصة يستطيع من خلالها الدفاع عن نفسه وعن أي نفس يريد.
كل ما أرغب في فعله هو الدفاع عن «فكرتي»، والتي تقول ببساطة إن من حق أي برنامج أو إعلامي أو صحفي أن يتكلم عن أي أمر يريد بالطريقة التي يريد، ومن حق الناس أن ترد وأن تنفي أو تثبت. هذا هو الأمر بكل بساطة ودون الكثير من التعقيدات. ولذلك فمهما كان الرأي في داود فإن فكرة الهجوم على برنامجه لا تبدو ـ ولن تبدو ـ لي مبررة في يوم من الأيام. من حقك أن تكرهه وتكره برنامجه، أن تطفئ التلفزيون أثناء عرض برنامجه أو تشاهد فيلما أو مسرحية أو إعادة لمباراة فريقك التي خسرها، أو أن تطارد أطفالك في المنزل أو أن تغسل مواعين مطبخكم، ولكني أكره المطالبة بإسكات الآخرين الذين يقولون كلاما لا يعجبنا. هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لي، وصورة قبيحة أتمنى أن يتحدث عنها البرنامج في إحدى حلقاته.
المشكلة الأخرى هي ما يمكن أن نسميها متلازمة «سنو وايت»، المجتمع بقيادة جمع من المؤثرين والمؤثرات يريدون أن تجاملهم المرآة حين يقفون أمامها ويسألونها: يا مرآتي يا مرآتي، من هو أجمل مجتمع في الكون؟
يريدون من هذه المرآة أن تجيب: أنتم بكل تأكيد.
مع أن هذه ليست من أخلاق المرآة، ولا يفترض أنها من أخلاق الإعلام. المرآة صريحة بشكل مبالغ فيه، والهدف من اختراعها أصلا هو أن تظهر العيوب حتى يمكن تعديلها.
وهذه وظيفة الإعلام أيضا، أن يكون مرآة المجتمع والدولة والحكومة التي ترى فيها عيوبها وحسناتها، ومكامن القبح والجمال في وجهها، وما الذي يجب أن تصححه وما الذي يجب أن تبرزه، كون الإعلام يؤدي هذه الوظيفة ـ التي هي وظيفته الحقيقية ـ أم لا يفعل فهذا موضوع آخر يمكن نقاشه وبحثه.
لكن الذي يثار الآن ويقال بصوت مرتفع هو أن الإعلام يجب أن يهتم بتحسين «صورة» المجتمع وليس بواقعه، بحجة أنه يوجد الكثير من المتربصين والأعداء الذين يبحثون عن أي شيء يمكن استخدامه لتشويه مجتمعنا، وهذه فكرة إما خبيثة أو ساذجة، لأنه يستحيل ألا يكون هناك أعداء في أي وقت من الأوقات، قدرك حين تكون مؤثرا وكبيرا أن يكون لديك أعداء يتناسب عددهم طرديا مع مقدار قوتك. ويفترض أن من أدلة هذه القوة والصورة التي يجب أن يراها العالم بوضوح أننا مجتمع ودولة لا نخاف من النقد ولا من الحديث عن أخطائنا وإظهارها وتعريتها ومحاولة تصحيحها، هذه صورة جميلة وليست تشويها أبدا. التشويه هو أن يتحول الإعلام إلى أدوات وفلاتر «فوتوشوب» عند إظهاره وجه المجتمع.
وعلى أي حال..
أرجو ألا يكون «الأذكياء جدا» يقرؤون مقالي هذا، حتى لا يستنتجوا منه أني أقول إنه لا توجد صور جميلة في مجتمعنا، وأني أدعو إلى طمس وإخفاء كل ما هو جميل، وأن مهمة الإعلام هي الحديث عن القبح فقط.
agrni@
كل ما أرغب في فعله هو الدفاع عن «فكرتي»، والتي تقول ببساطة إن من حق أي برنامج أو إعلامي أو صحفي أن يتكلم عن أي أمر يريد بالطريقة التي يريد، ومن حق الناس أن ترد وأن تنفي أو تثبت. هذا هو الأمر بكل بساطة ودون الكثير من التعقيدات. ولذلك فمهما كان الرأي في داود فإن فكرة الهجوم على برنامجه لا تبدو ـ ولن تبدو ـ لي مبررة في يوم من الأيام. من حقك أن تكرهه وتكره برنامجه، أن تطفئ التلفزيون أثناء عرض برنامجه أو تشاهد فيلما أو مسرحية أو إعادة لمباراة فريقك التي خسرها، أو أن تطارد أطفالك في المنزل أو أن تغسل مواعين مطبخكم، ولكني أكره المطالبة بإسكات الآخرين الذين يقولون كلاما لا يعجبنا. هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لي، وصورة قبيحة أتمنى أن يتحدث عنها البرنامج في إحدى حلقاته.
المشكلة الأخرى هي ما يمكن أن نسميها متلازمة «سنو وايت»، المجتمع بقيادة جمع من المؤثرين والمؤثرات يريدون أن تجاملهم المرآة حين يقفون أمامها ويسألونها: يا مرآتي يا مرآتي، من هو أجمل مجتمع في الكون؟
يريدون من هذه المرآة أن تجيب: أنتم بكل تأكيد.
مع أن هذه ليست من أخلاق المرآة، ولا يفترض أنها من أخلاق الإعلام. المرآة صريحة بشكل مبالغ فيه، والهدف من اختراعها أصلا هو أن تظهر العيوب حتى يمكن تعديلها.
وهذه وظيفة الإعلام أيضا، أن يكون مرآة المجتمع والدولة والحكومة التي ترى فيها عيوبها وحسناتها، ومكامن القبح والجمال في وجهها، وما الذي يجب أن تصححه وما الذي يجب أن تبرزه، كون الإعلام يؤدي هذه الوظيفة ـ التي هي وظيفته الحقيقية ـ أم لا يفعل فهذا موضوع آخر يمكن نقاشه وبحثه.
لكن الذي يثار الآن ويقال بصوت مرتفع هو أن الإعلام يجب أن يهتم بتحسين «صورة» المجتمع وليس بواقعه، بحجة أنه يوجد الكثير من المتربصين والأعداء الذين يبحثون عن أي شيء يمكن استخدامه لتشويه مجتمعنا، وهذه فكرة إما خبيثة أو ساذجة، لأنه يستحيل ألا يكون هناك أعداء في أي وقت من الأوقات، قدرك حين تكون مؤثرا وكبيرا أن يكون لديك أعداء يتناسب عددهم طرديا مع مقدار قوتك. ويفترض أن من أدلة هذه القوة والصورة التي يجب أن يراها العالم بوضوح أننا مجتمع ودولة لا نخاف من النقد ولا من الحديث عن أخطائنا وإظهارها وتعريتها ومحاولة تصحيحها، هذه صورة جميلة وليست تشويها أبدا. التشويه هو أن يتحول الإعلام إلى أدوات وفلاتر «فوتوشوب» عند إظهاره وجه المجتمع.
وعلى أي حال..
أرجو ألا يكون «الأذكياء جدا» يقرؤون مقالي هذا، حتى لا يستنتجوا منه أني أقول إنه لا توجد صور جميلة في مجتمعنا، وأني أدعو إلى طمس وإخفاء كل ما هو جميل، وأن مهمة الإعلام هي الحديث عن القبح فقط.
agrni@