الرأي

اللغة أم ..!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
يقول تعالى في سورة الروم «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين».

أي إن الاختلاف في اللغات والألوان ليس مجرد أمر طارئ يجب التعايش معه وتقبله، ولكنه آية عظيمة من آيات الخالق جل شأنه. وربطها بخلق السماوات والأرض يعني أن تتفكر فيها وتتدبرها وتتأملها كما تتدبر خلق هاتين الآيتين العظيمتين.

ولهذا فإني مؤمن بأن تعلم اللغات يأتي من هذا الباب قبل أن يكون فائدة دنيوية، ليس لدي مشكلة في تعليم أي لغة حتى لو كان عدد المتحدثين بها سبعة أنفار، أو حتى لو كانت لغة مندثرة لا يتكلمها أحد.

لكن ـ وأعوذ بالله من لكن ـ الحديث الإعلامي الذي واكب إقرار «تعليم اللغة الصينية في جميع مراحل التعليم» كان بطريقة تشي وكأن السعوديين سيصبحون صينيين في اليوم التالي، وأن هذه الخطوة هي التي ستغير وجه الكون، وأنا شخص أمقت ـ ليس كثيرا ـ المبالغات التي تفسد حتى الأشياء الجميلة.

ثم إن الـ «لكن» الأخرى تتعلق بالتعليم وإدراج هذه اللغة في المناهج الدراسية، وأنا أسأل سؤالا بسيطا وسهلا ويسيرا على من فتح الله عليه: كم عدد السعوديين الذين أتقنوا اللغة الإنجليزية بسبب دراستهم لها في مقررات وزارة التعليم؟

الإجابة ـ مع بعض التحفظ ـ هي «صفر»، كل الذين أجادوا اللغة الإنجليزية أجادوها إما من خلال مدارس خاصة أو معاهد خاصة أو بمجهودهم الشخصي ورغبتهم في التعلم أو الممارسة أو من خلال السفر عن طريق الابتعاث أو غيره. لا علاقة للمناهج بالأمر لا من قريب ولا من بعيد.

ولذلك فإن تخيل أن تعليم اللغة الصينية ـ أو غيرها ـ في المناهج سيجعل الناس تتقنها هو حسن ظن مبالغ فيه، والحل هو فتح المجال للمعاهد الخاصة وكليات اللغات لتعليم هذه اللغة وغيرها من لغات أهل الأرض لكافة المستويات والأعمار، والسوق هو الفيصل، فإن كانت الحاجة موجودة فإن الإقبال سيكون كبيرا وستنجح هذه المعاهد. وإن لم تكن هناك حاجة فالأمر ليس مشكلة كبيرة، ولعلنا نركز على تعلم العربية التي يبدو أن مناهج وزارة التعليم لا تعلمها بالقدر الكافي.

والحقيقة أن اللغة ليست عائقا ولا دافعا في المجال الاقتصادي، فأقل وأفشل العلاقات التجارية غالبا بين الدول العربية نفسها، المال لا تهمه اللغة كثيرا ولا قليلا. سيذهب إلى أي مكان فيه مجال للنمو حتى وإن وجد بينه وبين ذلك المكان «قوما لا يكادون يفقهون قولا».

وعلى أي حال..

الانفتاح على العالم وتعلم لغاتهم أمر جميل، ورسالته تكمن في الفكرة نفسها بغض النظر عن تحول الفكرة إلى واقع من عدمه، ولكني ما زلت مؤمنا إيمانا قاطعا لا يخالطه شك أن الخطوة الأهم هي «ثورة الترجمة» لأن إتقان أهل كل بلد لفنون الحياة بلغتهم الأم هو الأساس الذي قامت عليه كل الحضارات السابقة، وكذلك ستفعل اللاحقة.

agrni@