الرأي

عملاق الشرق الأوسط

حسن علي القحطاني
بعد صراعات دامية سقطت الصين الوطنية، إثر سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على مقاليد الحكم في الأول من أكتوبر 1949، وأعلن (ماو تسي تونغ) قيام جمهورية الصين الشعبية وتوليه منصب رئيس البلاد، وأطلق على بلاده أيضا اسم الصين الشيوعية أو الصين الحمراء، وبدأ بما عرف باسم القفزة الكبرى إلى الأمام، وهي خطة اقتصادية أسفرت عن نتائج قاسية، وفي عام 1966 أطلق ماو وحزبه ما سماه الثورة الثقافية التي استمرت حتى وفاته.

أدت الثورة الثقافية والخوف من الاتحاد السوفيتي إلى حدوث اضطراب كبير في المجتمع الصيني، وفي ذروة الانقسام بين الصين والاتحاد السوفيتي عام 1972 التقى ماو بالرئيس الأمريكي في ذلك الوقت نيكسون في بكين، لإقامة علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة، وفي العام نفسه تم قبول جمهورية الصين الشعبية لدى الأمم المتحدة بدلا من جمهورية الصين الوطنية، للحصول على العضوية في الأمم المتحدة والعضوية الدائمة في مجلس الأمن.

عندما وصل موظفو الصين الشعبية الجدد إلى نيويورك لتسلم مهام عملهم في مجلس الأمن سألهم الصحفيون عما أثار دهشتهم في الولايات المتحدة؟ فأجابوا بأن الأمريكيين يشبهون بعضهم كثيرا، ومن الصعوبة أن نميز أحدهم عن الآخر، رغم أن الفرق كبير بين ملامح وجه الرئيس نيكسون ووزير خارجيتة كيسنجر، أو بين بروك شيلد وأليكسندر هيج، كان الصينيون يريدون أن يقولوا: أنتم جميعا تبدون بالنسبة لنا سواء، ولسنا نحن فقط الذين نبدو لكم متماثلين بأنوفنا الفطساء وعيوننا العريضة وقاماتنا القصيرة، هذه الإجابة كانت تمثل سياسة الصين الجديدة خارجيا، وأوصلت رسالة للعالم الخارجي وللعالم الغربي بشكل خاص بأنهم لن يفرقوا بين أحد في اكتساح أسواق العالم.

في 2003 وضع الرئيس الصيني السابق هو جينتاو سياسة تطور الصين السلمي كسياسة رسمية للحكومة الصينية، وهي سياسة تسعى لتحقيق نمو اقتصادي وسياسي ومجتمعي وعسكري صيني متوازن من دون أي مواجهات عنيفة في منطقة شرق آسيا أو في العالم، وأجل النظر في خلافات ضم تايوان.

العلاقة القديمة الجديدة بين الصينيين والغرب متذبذبة، يغلب على معظم محاورها التوتر والشك، والتردد بين الرغبة في الاقتراب والخوف من الاستحواذ، فالغرب ينظر إليهم كشعب يدمن أكل الأرز بأعواد خشبية مضحكة، ويقتات الصراصير والزواحف، ويرى أنهم سوق كبيرة تدر استثماراتها أرباحا مجزية، في المقابل يعتقد الصينيون أنهم أمة تتربع على آلاف السنين من الحضارة والتاريخ، بينما الغرب طفل حضاري جديد لا يتجاوز عمره بضع مئات من السنين، لكن الصين تعلم أيضا أنها تواجه طفلا متفوقا يعيش بكل عنفوان أمجاد اليوم وليس حضارة الأمس.

هذه العلاقة المتوترة مع الغرب ليست حالة مغلقة على الصين فقط، بل مفتوحة مع الشرق بشكل عام، وتشترك فيها دول كالهند وكوريا وماليزيا وباكستان، ولا تبتعد العلاقة المتداخلة بين العرب والعالم الغربي عنها، رغم البون الشاسع بين الصين الحديثة وعرب هذا الزمان، فهل ستدعم هذه القواسم المشتركة والمشاعر المتشابهة فتح طريق الحرير القديم بين الصين والعرب؟!

أخيرا، ولادة عملاق في الشرق الأوسط تحتاج إلى توازن سياسي في بناء التحالفات الاستراتيجية، وإلى انفتاح لا يتعارض مع ثوابتنا لاستيعاب كل أنماط التطوير ومعطيات التقدم في العصر الحاضر، ومجهود يماثل حجم ومجهود الصين إن لم يكن أكبر، وهذا كله خلاصة ما يقوم به ولي العهد محمد بن سلمان - حفظه الله - في جولات موجهة بدقة، تهدف إلى غايات معينة وأهداف محددة وفق رؤية عميقة، وخطط مدروسة، الأمر الذي نتج عنه نتائج عظيمة.

hq22222 @