الرأي

مهنة التعليم بوابة لجميع المهن

فاطمة صالح مدهش العلياني
إن مهنة التدريس مهنة عريقة وقديمة بقدم الإنسان، وما قامت الحضارة الإنسانية إلا على أكتاف المعلمين، سواء كان التعليم نظريا أم عمليا، ومما لا شك فيه أن المعلم من دعائم الحضارة الإنسانية، حيث إنه يضع الثقة في طلابه الذين هم زهور المستقبل وآماله المشرقة. فطالب اليوم هو الطبيب والمهندس والحرفي والمعلم وكل صاحب مهنة.

ومن هنا تبرز أهمية المعلم ومكانته في المجتمع، حيث إنه في المقام الأول كالمربي لطلابه يعلمهم ويربيهم ويغذيهم بالقيم والأخلاق، ويفتح لهم باب المستقبل على مصراعيه بعد أن أبلغهم رسالة العلم الخالدة.

تعتبر مهنة المعلم من أكثر المهن تأثيرا وسموا في المجتمع، لأن له الفضل الأكبر في حياة الطلاب، فهو من يعلمهم من البداية كيفية حمل القلم والقراءة، إلى أن يصل بهم إلى درجة الطبيب والمهندس والعالم، وكل هذا بجهد كبير يبذله لجعل الطلاب أصحاب شأن عظيم ويتصفون بأخلاق حميدة، كما أنه يسهم في انتشار العلم في المجتمع، فالعلم الذي يقدمه المعلم يعلي شأنه ويعود بالنفع عليه وعلى الأمة، والمعلم هو من يعلم التاريخ للمجتمع الذي يجهله، ويحمل على عاتقه هم العلم وإيصاله إلى الطلاب على أكمل وجه، العلم الذي يعلمه لطلابه يكون جاريا حتى بعد وفاته. ولا بد من الاعتراف بفضل المعلم ودوره الكبير في كل جوانب الحياة، فهو الذي يربي الأجيال ويصنع الرجال الذين يحملون هم الأمة.

ولهذه الأهمية التي يكتسبها الطالب من المعلم ولما لها من دور إيجابي في حياة شباب المستقبل فقد حرص الخلفاء المسلمون قديما على تعليم أبنائهم على أيدي أفضل المعلمين والمدرسين لتهيئتهم للخلافة في المستقبل وقيادة الأمة. إن مهنة المعلم ليست مجرد وظيفة كأي وظيفة يتقاضى عليها المعلم راتبه فقط، وإنما هي في حد ذاتها رسالة إنسانية ومهمة ربانية، وقد كلف الله بها الأنبياء من قبل حينما أمرهم بتعليم الناس الدين والعلم وعبادة الله وحده، فكانت مهنة الأنبياء في الأساس هي تعليم الناس كيف يعبدون الله وحده لا شريك له، ولهذه الأهمية قال صلى الله عليه وسلم 'العلماء ورثة الأنبياء'، ولكي يكون المعلم إيجابيا متميزا عليه ألا ينظر إلى مهنته بصورة مجردة على أنها مجرد وظيفة، بل ينظر إليها على أنها وظيفة الأنبياء، وأنها وظيفة سامية مقدسة، قدسها الله تعالى في كتابه وقدس أهل العلم والمعلمين فقال تعالى 'يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات'.

ولكي يكون المعلم كفؤا لهذه الأمانة والرسالة التي حملها الله عز وجل إياه، عليه أن يطور من ذاته ومن علمه وأن يتعلم الأساليب والتقنيات الحديثة في كيفية تبليغ العلم وإيصاله بكل سهولة ويسر.

وأن يبحث عن أسهل الطرق وأنفعها وأكثرها إيجابية في تدريس العلوم مثل استخدام استراتيجيات التعلم الحديث بحيث يكون العلم سهلا على الطالب محببا إليه. مستقبلنا وما نسير إليه، يرجع في جزء كبير منه إلى التربية التي تلقيناها في الصغر، والتعليم الذي حصلنا عليه، لذلك فالمعلم المتفاني والناجح هو المربي القادر على تغيير المستقبل للأفضل إذا استطاع توفير تربية جيدة، ومخلصة لتلاميذه، وتمكن بتفانيه في أداء رسالته النبيلة، أن ينقذ ربما حياة المئات من الأشخاص، من آفة الجهل ومستنقع الفقر وبراثن الرذيلة.

مع كل هذه الميزات، والسمات في مهنة التعليم، لا يجب الاعتقاد المسبق أنها مهمة سهلة، وسبيل سالك قد يمتهنه الشخص في حياته دون عراقيل وصعوبات، بل العكس من ذلك تماما، إن رسالة التعليم هي حمل ثقيل، ومسؤولية كبيرة على عاتق كل من كرس نفسه لتعليم الأجيال، وإنقاذها من الجهل، وليس هناك من سبب في تأخر مجتمعاتنا العربية والإسلامية وتراجعها عن ركب الحضارة إلا بتقهقر التعليم وتراجعه، وعدم إعطاء المعلم حقه وتشجيعه على تقديم رسالته النبيلة، وخدمة العلم بكل ما أوتي من قوة.

وقفة: إن رسالة التعليم هي أسمى وأخلص رسالة عرفتها البشرية، وليس على الأساتذة إلا الاقتداء بتعليمات المعلم الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيجدون في سنته النبراس الذي يضيء ظلمة الطريق، والجواب الشافي والحل النهائي لكل المشاكل التي تواجه التعليم، فإذا كان المعلم كذلك بهذه الإيجابية وبهذا الإخلاص فسترى أجيالا محبة للعلم تبني الحضارات كما بناها الأجداد.

جعلنا الله ممن يستخدمهم في العلم والتعليم وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم.