القوة الناعمة.. الحاسة السادسة اليابانية
السبت / 4 / جمادى الآخرة / 1440 هـ - 20:30 - السبت 9 فبراير 2019 20:30
في التقرير العالمي للقوة الناعمة لعام 2018، حققت اليابان إنجازا كونها أول دولة آسيوية تصبح ضمن أفضل 5 دول عالميا بالقوة الناعمة، بعدما كانت أول دولة آسيوية تدخل ضمن قائمة أفضل 10 دول في تقارير القوة الناعمة السابقة لأعوام 2015 و2016 و2017، على الرغم من تحديات اللغة والثقافة. لكن كيف وصلت؟ ما هي عوامل نجاحها وسر تقدمها؟ وكيف استخدمت حتى منصة «انستقرام» لصالحها؟
بعد الدمار الذي حدث بسبب الحرب العالمية الثانية، أرادت اليابان أن تقوي اقتصادها وتحسن صورتها وسمعتها وتزيد تحالفاتها، فكانت استراتيجية بناء الهوية اليابانية عبر القوة الناعمة هي الحل لكيلا ينظر لها كقوة عسكرية فقط لا تملك جاذبية، وفعلا بدأ العمل على ذلك، ولكن بشكل متفاوت وغير منظم، لكن منذ عام 1980 عملت اليابان بشكل ممنهج على التسويق لثقافتها والوصول لفئاتها المستهدفة - الشباب والمراهقين بالذات - عبر الرسوم المتحركة والموسيقى والسينما والألعاب والمأكولات، وكل ما يجذب اهتمام الأجيال القادمة، حتى أصبحت لها قصة نجاح تروى ويستفاد منها.
ثقافيا، أعلنت الحكومة اليابانية أن صناعة الثقافة أحد المجالات الأكثر نموا، وأنشأت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة مكتبا يدعم الصناعات الثقافية والإبداعية بالتعاون مع القطاع الخاص «لتعزيز الثقافة اليابانية»، بعد ذلك، قامت الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص أيضا بتأسيس «صندوق كول يابان» لتسويق الهوية الوطنية والقوة الناعمة عبر دعم المنتجات اليابانية عالميا في 4 مجالات استراتيجية، هي: الإعلام والمحتوى، الطعام والخدمات، الأزياء ونمط الحياة، المنتجات الداخلية، ساهمت فيه الحكومة بنحو 633 مليون دولار تقريبا، وأسهم القطاع الخاص بنحو 100 مليون دولار، كان لقطاع الإعلام والمحتوى النصيب الأكبر منها لتعزيز تأثير الثقافة اليابانية عالميا، وللصندوق مجلس إدارة ورئيس تنفيذي. يمول ويدعم الصندوق منذ تأسيسه حتى اللحظة عديدا من المشاريع حول العالم، بما يتوافق مع الرؤية والهدف الاستراتيجي له بتعزيز التأثير والتواجد الثقافي الياباني حول العالم.
دبلوماسيا، تمتلك اليابان خامس أكبر شبكة دبلوماسية حول العالم، وهذه الشبكة معززة بمراكز ثقافية ولا تكتفي فقط بوجود سفير وسفارة وبعثة دبلوماسية، كما أنها ثاني أكبر مساهم بميزانية الأمم المتحدة، ولاعب أساسي بالسياسة الآسيوية والدولية، وسياحيا عملت اليابان على استضافة البشر من كل أقطار الأرض عبر السياحة، حتى أصبحت واحدة من أكثر الوجهات شعبية، وعبر استضافة الأحداث العالمية مثل كأس العالم لكرة القدم عام 2002، وفي والعامين القادمين ستعزز ذلك باستضافة كأس العالم للرجبي، وقمة العشرين لعام 2019 والألعاب الأولمبية لعام 2020.
إحدى قصص النجاح هي أن اليابان وضعت هدفا هو جلب 40 مليون سائح بحلول عام 2020 للبلاد. لذا، عملت على إيجاد وسيلة تواصل استراتيجي لتحقيق ذلك، وأشارت نتيجة أبحاثها أن منصة انستقرام هي المنصة التي يعتمد عليها الناس لمشاركة رحلات سفرهم حول العالم، ورصدت أن هنالك 5 ملايين شخص وضعوا صورا لزيارتهم لليابان عبر منصة انستقرام نفسها، فبدأ العمل فورا. تعاونت منظمة السياحة الوطنية اليابانية مع انستقرام لإطلاق حملة «اليابان المجهولة» لتسليط الضوء على أماكن وقصص مميزة تعكس ثقافتها وتحقق هدفها، ورفع وعي المواطنين للمشاركة بها. وفعلا تحقق الهدف، وتمت مشاركة أكثر من 260 ألف صورة وفيديو من جميع أنحاء اليابان، وارتفعت معدلات السياحة بنسبة 12.5% مقارنة بالعام السابق، وزارها أكثر من 2.9 مليون سائح منذ بدء الحملة.
ولم يقتصر النجاح على ذلك فحسب، بل حققت أهدافا أخرى أيضا، مثل الاستغناء عن تكاليف رئيسية والدفع للتسويق عبر وسائل الإعلام، إضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية والدبلوماسية الرقمية ودعم الأهداف الاقتصادية.
وركزت اليابان على الأجيال القادمة حول العالم، حيث كانت ولا زالت تراهن على الرسوم المتحركة - الإينمي كأحد المصادر الاستراتيجية لقوتها الناعمة، لكسب ود ومحبة الأجيال الناشئة لتكون جزءا منهم ومن حياتهم وذاكرتهم، يحفظون أسماء شخصياتها ويتفاعلون معها ويترقبون جديدها، حتى وجد التأثير الثقافي الياباني العالمي عبر الرسوم المتحركة اهتمام الإعلام الدولي، حيث قالت عنها «فورين بوليسي» إن «اليابان أشبه بقوة ثقافية عظمى»، وتحدثت عن هيمنة الرسوم المتحركة بوكيمون والقطة كيتي التي تقود إمبراطورية تحقق مبيعات بقيمة مليار دولار حول العالم، أما نيويورك تايمز فنشرت مقالا موسعا عن التأثير الياباني على الأطفال الأمريكيين، وكيف أصبحت الشخصيات اليابانية مثل بوكيمون ودراغون بول جزءا من الطفولة الأمريكية، وتنافس بشراسة علامات أمريكية مثل شخصيات العملاقة الأمريكية ديزني.
صناعيا، استطاعت الصناعة اليابانية المنتشرة بجميع أنحاء العالم - مثل تويوتا ونيسان وسوني وتوشيبا وباناسونيك وكانون وغيرها - أن تكون مصدر فخر لليابانيين ومثار إعجاب الآخرين، نظرا لعوامل عدة، أبرزها خلق وتثبيت صورة ذهنية عن جودتها العالية وصنعها المتقن وأسعارها المناسبة وتطورها المستمر وتغطيتها لمختلف جوانب احتياجات الفرد والعائلة.
انتشار ثقافة اليابان أثار اهتمام الجامعات العالمية التي أطلقت مجموعة مبادرات أكاديمية، أبرزها مشروع بحث «كول يابان» في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا - إحدى أعظم وأعرق جامعات العالم - لمعرفة عوامل القوة الناعمة اليابانية المثيرة للاهتمام، كما أعلنت بعض الجامعات عن زيادة بعدد المتقدمين لمجال «الدراسات اليابانية» بسبب التأثير الثقافي للبلاد.
اليابان أجبرت الناس - عبر القوة الناعمة - حول العالم على ألا يمضي عمرهم إلا وقد استخدموا حواسهم الخمس لشيء ياباني. أي فرد غالبا يكون «شاهد» رسوماتها أو «تذوق» حلوياتها أو «لمس» منتجاتها أو «استمع» لموسيقاها أو «شم» رائحة مأكولاتها، وأصبحت فعليا القوة الناعمة هي الحاسة السادسة اليابانية!
نحن في المملكة العربية السعودية قادرون على صنع الفرق، والتجربة اليابانية تثبت لنا أن القوة الناعمة ثروة حقيقية واستثمار مستدام وأسلوب تواصل حضاري لا حدود له ولا يعرف المستحيل، وسلاح فعال لمواجهة التحديات والأزمات دائما وأبدا، وأن اختلاف اللغة والثقافة هو في حقيقته تميز يجب أن يستغل وقيمة عظيمة مضافة.
بعد الدمار الذي حدث بسبب الحرب العالمية الثانية، أرادت اليابان أن تقوي اقتصادها وتحسن صورتها وسمعتها وتزيد تحالفاتها، فكانت استراتيجية بناء الهوية اليابانية عبر القوة الناعمة هي الحل لكيلا ينظر لها كقوة عسكرية فقط لا تملك جاذبية، وفعلا بدأ العمل على ذلك، ولكن بشكل متفاوت وغير منظم، لكن منذ عام 1980 عملت اليابان بشكل ممنهج على التسويق لثقافتها والوصول لفئاتها المستهدفة - الشباب والمراهقين بالذات - عبر الرسوم المتحركة والموسيقى والسينما والألعاب والمأكولات، وكل ما يجذب اهتمام الأجيال القادمة، حتى أصبحت لها قصة نجاح تروى ويستفاد منها.
ثقافيا، أعلنت الحكومة اليابانية أن صناعة الثقافة أحد المجالات الأكثر نموا، وأنشأت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة مكتبا يدعم الصناعات الثقافية والإبداعية بالتعاون مع القطاع الخاص «لتعزيز الثقافة اليابانية»، بعد ذلك، قامت الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص أيضا بتأسيس «صندوق كول يابان» لتسويق الهوية الوطنية والقوة الناعمة عبر دعم المنتجات اليابانية عالميا في 4 مجالات استراتيجية، هي: الإعلام والمحتوى، الطعام والخدمات، الأزياء ونمط الحياة، المنتجات الداخلية، ساهمت فيه الحكومة بنحو 633 مليون دولار تقريبا، وأسهم القطاع الخاص بنحو 100 مليون دولار، كان لقطاع الإعلام والمحتوى النصيب الأكبر منها لتعزيز تأثير الثقافة اليابانية عالميا، وللصندوق مجلس إدارة ورئيس تنفيذي. يمول ويدعم الصندوق منذ تأسيسه حتى اللحظة عديدا من المشاريع حول العالم، بما يتوافق مع الرؤية والهدف الاستراتيجي له بتعزيز التأثير والتواجد الثقافي الياباني حول العالم.
دبلوماسيا، تمتلك اليابان خامس أكبر شبكة دبلوماسية حول العالم، وهذه الشبكة معززة بمراكز ثقافية ولا تكتفي فقط بوجود سفير وسفارة وبعثة دبلوماسية، كما أنها ثاني أكبر مساهم بميزانية الأمم المتحدة، ولاعب أساسي بالسياسة الآسيوية والدولية، وسياحيا عملت اليابان على استضافة البشر من كل أقطار الأرض عبر السياحة، حتى أصبحت واحدة من أكثر الوجهات شعبية، وعبر استضافة الأحداث العالمية مثل كأس العالم لكرة القدم عام 2002، وفي والعامين القادمين ستعزز ذلك باستضافة كأس العالم للرجبي، وقمة العشرين لعام 2019 والألعاب الأولمبية لعام 2020.
إحدى قصص النجاح هي أن اليابان وضعت هدفا هو جلب 40 مليون سائح بحلول عام 2020 للبلاد. لذا، عملت على إيجاد وسيلة تواصل استراتيجي لتحقيق ذلك، وأشارت نتيجة أبحاثها أن منصة انستقرام هي المنصة التي يعتمد عليها الناس لمشاركة رحلات سفرهم حول العالم، ورصدت أن هنالك 5 ملايين شخص وضعوا صورا لزيارتهم لليابان عبر منصة انستقرام نفسها، فبدأ العمل فورا. تعاونت منظمة السياحة الوطنية اليابانية مع انستقرام لإطلاق حملة «اليابان المجهولة» لتسليط الضوء على أماكن وقصص مميزة تعكس ثقافتها وتحقق هدفها، ورفع وعي المواطنين للمشاركة بها. وفعلا تحقق الهدف، وتمت مشاركة أكثر من 260 ألف صورة وفيديو من جميع أنحاء اليابان، وارتفعت معدلات السياحة بنسبة 12.5% مقارنة بالعام السابق، وزارها أكثر من 2.9 مليون سائح منذ بدء الحملة.
ولم يقتصر النجاح على ذلك فحسب، بل حققت أهدافا أخرى أيضا، مثل الاستغناء عن تكاليف رئيسية والدفع للتسويق عبر وسائل الإعلام، إضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية والدبلوماسية الرقمية ودعم الأهداف الاقتصادية.
وركزت اليابان على الأجيال القادمة حول العالم، حيث كانت ولا زالت تراهن على الرسوم المتحركة - الإينمي كأحد المصادر الاستراتيجية لقوتها الناعمة، لكسب ود ومحبة الأجيال الناشئة لتكون جزءا منهم ومن حياتهم وذاكرتهم، يحفظون أسماء شخصياتها ويتفاعلون معها ويترقبون جديدها، حتى وجد التأثير الثقافي الياباني العالمي عبر الرسوم المتحركة اهتمام الإعلام الدولي، حيث قالت عنها «فورين بوليسي» إن «اليابان أشبه بقوة ثقافية عظمى»، وتحدثت عن هيمنة الرسوم المتحركة بوكيمون والقطة كيتي التي تقود إمبراطورية تحقق مبيعات بقيمة مليار دولار حول العالم، أما نيويورك تايمز فنشرت مقالا موسعا عن التأثير الياباني على الأطفال الأمريكيين، وكيف أصبحت الشخصيات اليابانية مثل بوكيمون ودراغون بول جزءا من الطفولة الأمريكية، وتنافس بشراسة علامات أمريكية مثل شخصيات العملاقة الأمريكية ديزني.
صناعيا، استطاعت الصناعة اليابانية المنتشرة بجميع أنحاء العالم - مثل تويوتا ونيسان وسوني وتوشيبا وباناسونيك وكانون وغيرها - أن تكون مصدر فخر لليابانيين ومثار إعجاب الآخرين، نظرا لعوامل عدة، أبرزها خلق وتثبيت صورة ذهنية عن جودتها العالية وصنعها المتقن وأسعارها المناسبة وتطورها المستمر وتغطيتها لمختلف جوانب احتياجات الفرد والعائلة.
انتشار ثقافة اليابان أثار اهتمام الجامعات العالمية التي أطلقت مجموعة مبادرات أكاديمية، أبرزها مشروع بحث «كول يابان» في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا - إحدى أعظم وأعرق جامعات العالم - لمعرفة عوامل القوة الناعمة اليابانية المثيرة للاهتمام، كما أعلنت بعض الجامعات عن زيادة بعدد المتقدمين لمجال «الدراسات اليابانية» بسبب التأثير الثقافي للبلاد.
اليابان أجبرت الناس - عبر القوة الناعمة - حول العالم على ألا يمضي عمرهم إلا وقد استخدموا حواسهم الخمس لشيء ياباني. أي فرد غالبا يكون «شاهد» رسوماتها أو «تذوق» حلوياتها أو «لمس» منتجاتها أو «استمع» لموسيقاها أو «شم» رائحة مأكولاتها، وأصبحت فعليا القوة الناعمة هي الحاسة السادسة اليابانية!
نحن في المملكة العربية السعودية قادرون على صنع الفرق، والتجربة اليابانية تثبت لنا أن القوة الناعمة ثروة حقيقية واستثمار مستدام وأسلوب تواصل حضاري لا حدود له ولا يعرف المستحيل، وسلاح فعال لمواجهة التحديات والأزمات دائما وأبدا، وأن اختلاف اللغة والثقافة هو في حقيقته تميز يجب أن يستغل وقيمة عظيمة مضافة.