الرأي

مركز معلومات ودراسات لتأسيس المنشآت الصغيرة والمتوسطة

دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة (للأفراد والشركات) الحالية والتي تقوم على إعدادها مكاتب الدراسات - في الغالب - نجد أنها عشوائية ولا تعتمد على معلومات وبيانات كافية، وربما لا تصل للحد الأدنى المطلوب لعمل حتى الدراسة المبدئية، والأهم من ذلك أن كثيرين لا يقبلون على تأسيس مشاريع لعدم وفرة المعلومات والبيانات المطلوبة وتفاصيلها. يعتقد كثيرون أن الدعم المالي والإجراءات الحكومية هي أصعب التحديات التي تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولكن في الحقيقة عدم وجود المعلومات هو أكبر تحد.

فمثلا إذا أردت أن أصنع جهازا لمساعدة المرضى على التنفس، الصناعة تعتبر بسيطة جدا، ولكن من يوفر لنا حجم الطلب من المستشفيات الحكومية والتخصصية والجامعية والمستشفيات الخاصة والمستوصفات وبقية المراكز الصحية بالأحياء؟ كم حجم العرض بالسوق؟ وكم منه مستورد؟ وما هي أسعاره التنافسية في الدول الأخرى؟ وما هي شهادات الاعتماد والتأهيل لهذا الجهاز؟ نحن أيضا بحاجة لمعرفة أفضل الممارسات الدولية لصناعة هذه الأجهزة وإجراءات أعمالها. المطلوب ليس فقط لهذا النوع من الأجهزة، بل لكل سلعة يتم شراؤها من المستشفيات والتعليم والشركات والبلديات والنقل وغيرها الكثير والكثير.

الحقيقة التي لا ينظر لها كثيرون أن «اختيار نوع النشاط» عند تأسيس منشآت صغيرة ومتوسطة يتم بطريقة عشوائية حتى وإن نجح بعض منها، فالمشكلة أن من يقدم على تأسيس مشروعه يعتمد على حدسه ومعلومات أولية وتوصيات من هنا وهناك، وهذا إن نجح لأي منشأة فهو اجتهاد فردي، ولكنه بكل تأكيد ليس عملا مؤسساتيا متكاملا نؤمل عليه لبناء منظومة متكاملة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.

كتبت مقالا قبل 16 شهرا بعنوان «تحديات المنشآت الصغيرة والمتوسطة»، وذكرت فيه أن اختيار نوعية النشاط من قبل صاحب المنشأة عادة يكون (نصف عشوائي) ويعزى ذلك لعدم وجود مراكز دراسات تنشر تقارير للسلع والخدمات أو توضح بشكل دقيق للعرض والطلب محليا وخارجيا. دراسات الجدوى الاقتصادية أيضا الموجودة غالبا تعمل بطريقة (عشوائية بحتة) ولغرض الحصول على القروض والدعم، وهذا يمثل تحديا آخر ساهم في فشل كثير من المشاريع.

نحن بحاجة

لتأسيس مركز دراسات ومعلومات متكامل يوفر لكل من أراد تأسيس منشأة صغيرة ومتوسطة تناسب تخصصه وقدراته ومهاراته، نحن بحاجة لمعرفة نوعية السلع والخدمات التي تشتريها المستشفيات والمرافق الصحية وكذلك القطاعات التعليمية، والمصانع، وأرامكو، والبتروكيماويات، وشركة الكهرباء، وشركات المياه وشركات الاتصالات وغيرها البقية. غالبا المشتريات من هذه القطاعات توفر من الواردات من خارج المملكة، لذلك نحن بحاجة لمعرفة تفاصيل عن كل منها، حجم الطلب ومواصفاته ومعاييره، وحجم العرض وحجم الواردات لكل سلعة أيضا. (هذا فقط) سيمكننا من تأسيس منشآت تستطيع الدخول للسوق بقوة.

متى ما وفرت هذه المعلومات، سيكون هناك وضوح لطلب السوق ويمكن تأسيس منشآت صغيرة ومتوسطة تساهم في تلبية الطلب ورفع مستوى الجودة والمنافسة والتي تنعكس على سوق العمل والوظائف وتطوير الاقتصاد.

حجم الطلب في سوق المملكة كبير جدا، ويقابله عرض ضعيف وغالبه مستورد، وهذا من أسباب ارتفاع مستوى البطالة، فالشركات القائمة غالبها تعودت على نمط عمل كسول (استيراد وتوزيع فقط)، ولكن روح الشباب الجدد ستغير نمط الأعمال بشكل كبير متى ما توفرت لها هذه المعلومات.

أتمنى من الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة أن تبني مثل هذا المشروع ليساهم في بناء سوق عمل ضخم للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ويكون سوقا منتجا ومساهما في تحقيق أهداف المملكة المستقبلية والمبنية على استراتيجيات طموحة. سوق المملكة قوي جدا، فالمبالغ التي خضعت لضريبة القيمة المضافة لعام 2018 تجاوزت 912 مليار ريال، وهذا مؤشر قوي جدا.

Barjasbh@