الرأي

تعاقد الجامعات والطاقات الوطنية المهدرة!

أحمد الهلالي
لا ضير من تكرار الكتابة عن شؤون التعاقد، فتنظيم التعاقدات وقراءة الواقع الجديد مطلب وطني، لأن نسبة حملة الماجستير والدكتوراه (الأكفاء) من المواطنين تحتاج إلى قراءة جادة، ومثلها نسبة المواطنين المتقاعدين نظاميا وما تزال صحتهم تساعدهم على العطاء العلمي، ولديهم الرغبة في الاستمرار.

مهم أن تبادر وزارة التعليم إلى منع التعاقد من خارج الوطن مع أقل من درجة أستاذ مشارك، فالخبرة الأكاديمية مطلب لا تتوفر في أقل من تلك الدرجة، ويمكن شغل ما دونها بالمواطنين من حملة الماجستير والدكتوراه بعد اختبارات كفاءتهم، فجامعاتنا بحاجة ماسة إلى الطاقات الوطنية، وغالبا ما تكون ميدانا يتدرب فيه المتعاقدون من خارج الوطن حتى تنضج قدراتهم الأكاديمية ثم يغادرون إلى بلدانهم، أو بلدان أخرى، فتضطر الجامعات إلى إعادة الكرة بتعاقدات مع ذات الفئة، عبر قنوات تقليدية بالية تعتمد على العلاقات الشخصية أحيانا.

من جهة أخرى ربما يفضل بعض مسؤولي الجامعات التعاقد من خارج الوطن؛ لانطباعهم أن المتعاقد على خلاف المواطن، يتقبل القيام بأعباء إدارية وعلمية كثيرة دون تذمر ولا تلكؤ، والمسؤول هنا لا يعلم أن المتعاقد يبذل جهدا جبارا في تلك المهام؛ لأن ظروفه تجبره على تقبل ذلك، وحينما تتحسن حاله يشعر بمرارة الضغط فينهي عقده ويعود إلى وطنه، فتخسر الجامعة الخبرات التي اكتسبها طيلة فترة تعاقده.

الأعباء الإضافية التي تقصد إليها المقالة هي الأعمال الورقية المتكاثرة في الأقسام والكليات، فيما يتعلق بالجودة أو بالتصحيح الآلي، وإدارة كونترول الاختبارات أو أرشفة النتائج أو الحذف والإضافة في بداية الفصل، وغير ذلك من الأعمال الروتينية، وجل هذه الأعباء يمكن إنجازها بالكادر الإداري، فمهامه غالبا لا تتجاوز (الاتصالات الإدارية)، وتستطيع الجامعات أن تعقد الدورات المؤهلة للموظفين الإداريين لإنجازها تحت إشراف مباشر من رئيس القسم وعميد الكلية.

إن مردود تمكين المواطنين من حملة الماجستير والدكتوراه في جامعاتنا لا ينقطع، فكل خبرة أكاديمية أو إدارية يكتسبها سيظل عطاؤها متصلا وممتدا إلى ما بعد تقاعده، ولا يخفى أن أنظمة ولوائح التعليم العالي تتيح متابعة أداء عضو هيئة التدريس وتقويمه، وإلزامه بالمشاركة في لجان قسمه وكليته وجامعته، ناهيك عن مشاركاته المجتمعية، فلا يعني قبول المتعاقد للأعباء الإضافية ميزة تجعل بعض الجامعات تفضل التعاقد، بل أغلب الظن أن هذا خلل تنظيمي وإداري يجب أن يلتفت إليه المسؤولون.

أما المتقاعدون من الأكاديميين المواطنين، فمن إهدار الكفاءات أن تتخلص بعض الجامعات من خبراتهم الطويلة، فما تزال لدى أكثرهم طاقة وحماسة للاستمرار، وبعضها تعقّد رغبتهم في الاستمرار، فتقلص مدة التعاقد إلى عام واحد تسبقه معاملة معقدة، يضطر إلى تكرارها كل عام، ناهيك عما أشار إليه الدكتور حمزة المزيني في مقالته في صحيفة عكاظ بتاريخ 28 أكتوبر 2017 تحت عنوان «العقد المهين لأعضاء هيئة التدريس المتعاقدين»، فيشير إلى أن الجامعة فوق تجريد العضو المتقاعد المتعاقد من بدلاته تجرده معنويا من ممارسة حقوقه الأكاديمية في مجالس الأقسام والكليات، في حين أن المتعاقدين من خارج الوطن يمارسون هذه الحقوق المشروعة، فلماذا يمنع منها المواطن المتعاقد المتقاعد، ويكتفى به معلما في القاعات؟!

نرجو من وزارة التعليم أن تنظر مليا في هذه الملفات، وأن تبادر إلى إنشاء وكالة خاصة بشؤون التعاقد، ترفع إليها الجامعات احتياجاتها، فتعلنها عبر منصة الكترونية خاصة للتعاقدات يتقدم إلهيا كل الراغبين، وتقوم هي بالتعاقد وفق ضوابط لا يمكن الخروج عنها إلا للحاجة الملحة، مثل ندرة بعض التخصصات وعدم وجود كفاءات وطنية تشغلها، فلا يمكن إغفال أن التعاقدات تخضع (أحيانا) للعلاقات الشخصية من المتعاقدين أو غيرهم، فلو كانت هناك منصة موحدة تتيح لكل الراغبين التقديم عليها، ويطلع المسؤولون على كل الكفاءات المتاحة لخرجنا بخيارات تعاقدية أكثر كفاءة ونضجا.

كذلك يجب أن تعنى الوزارة باستمرار الطاقات الوطنية التي بلغ أصحابها سن التقاعد النظامي، وتمنحهم خيارا آليا لا يخضع لمرافعات ومعاملات معقدة إلا إن كان للقسم رأي سلبي (مبرر) في استمرار العضو، فالإفادة من خبرات القامات الأكاديمية تزيد متانة الجامعة علميا، وتوفر عليها التعاقد من خارج الوطن.

ahmad_helali@