الرأي

فنزويلا.. ما قبل الكارثة

حسن علي القحطاني
منذ عقدين تقريبا في عام 1998، ومع فوز هوغو تشافيز في فنزويلا صعدت تيارات اليسار وأحزابها إلى السلطة في أمريكا الجنوبية، هذا الفوز مهد طريق وصول لولا دو سيلفا في البرازيل، ونيستور كيرشنير في الأرجنتين، وتامير فاسكوس في الأوروغواي، لرئاسة حكومات بلادهم، إضافة إلى يكاردو لوغوس، وإيغور موراليس، ودانييل أورتيغا، ورفاييل كوريا، وكلهم يتشاركون في الفكر اليساري.

معظم هؤلاء الرؤساء نجح في تجديد ولايته الرئاسية أو تسليمها لأتباع في الحزب نفسه، وهذا ولد مع مرور الوقت تكتلا في الدول اللاتينية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وزاد حجم الخلاف بينهما تعارض المصالح واختلاف الأهداف، حتى أصبح الأمريكان يمثلون قمة الإمبريالية في عيون اللاتينيين الجنوبيين، بينما تتهمهم أمريكا بالتخلف والرجعية.

يجزم أصحاب اليسار اللاتيني الجنوبي أن واشنطن تدعم أي شيء ضد ما تبقى من أنظمتهم، وأنهم في محيط مؤامرة أمريكية ضد شعوبهم، وأنها خلف الانقلابات في بلدانهم، وهي وراء خروج الملايين في تظاهرات ضد أنظمتهم القمعية، وأنها وراء ما يحدث في فنزويلا منذ الأربعاء الماضي، فبعد إعلان رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو توليه مقاليد السلطة في بلاده أيدت واشنطن فورا الرئيس الجديد ولحقتها البرازيل، حتى وصل مؤيدو التغيير إلى 11 دولة في الأمريكتين، ولكن لماذا حدث ذلك رغم أن الرئيس نيكولاس مادورو لا يزال يمتلك صلاحيات تنفيذية داخل الدولة؟

فنزويلا كانت من أغنى دول أمريكا الجنوبية، فإنتاجها النفطي بلغ نحو 3,2 ملايين برميل من النفط يوميا، ثم بدأ التدهور حتى وصل الإنتاج حاليا إلى أقل من مليون ونصف المليون برميل، وكان يمكن لفنزويلا أن تصمد وأن تحافظ على استقرارها لولا انهيار قيمة العملة الفنزويلية (البوليفار) إلى مستوى قياسي غير مسبوق، وبلوغ الدين الخارجي لفنزويلا نحو 150 مليار دولار أمريكي، وهنا تفاقم التضخم الاقتصادي حتى وصل إلى أن الحد الأدنى لأجر عامل فنزويلي لا يكاد يكفي لشراء كيلوجرام واحد من اللحم.

الرئيس مادورو المعروف بلقب (سائق الحافلة) اعتقد أن حل الأزمة في إزالة خمسة أصفار دفعة واحدة من سعر العملة، وأطلق عليها (بترو) تيمنا (بالبترول)، مما جعل الخوف يسيطر على الفنزويليين ويدفعهم إلى النزوح في قوافل إلى البرازيل والبيرو وكوستاريكا، ولكن وقعت اشتباكات بينهم وبين سكان هذه الدول الأصليين (خاصة في البرازيل)، مما دفع أكثرهم إلى العودة والانضمام لمن اختار النزول إلى الشارع.

في قلب هذه الأزمة الطويلة يظل (العسكر) هم الذين أطاحوا بالبلاد والعباد بسبب حجم الفساد، وتمسكهم حاليا بدعم الرئيس مادورو للبقاء على رأس السلطة لأنه دعم لوجودهم، وانحياز جزء من قيادة الجيش إلى خوان غوايدو يشكل قنبلة على وشك الانفجار في أي وقت. وأتوقع أن يكون لواشنطن دور في صب الزيت على النار، بل قد أقول إن هذا طبيعي جدا بالنسبة لأمريكا الترمبية، لكن هذا لا يلغي غباء مادورو ومسؤوليته عن فساد الضباط الذين يدعمونه.

أخيرا، فنزويلا في الطريق إلى حرب أهلية واسعة ما لم يسارع الفنزويليون إلى حل داخلي ينتج عنه إنقاذ ما تبقى من وطنهم.

@hq22222