البلد

خطب الجمعة

الرجوع للحق

«إن من طبيعة ابن آدم، ومن دلائل ضعفه، ما يعتريه من أحوال التقلب والتغير والتبديل، فيقع في التردد والاضطراب والتناقض واشتباه الأمور وعدم الاستقرار؛ فقد يتبنى قولا في حين ويعود عنه في المستقبل، وقد يرى رأيا اليوم وينكره غدا، ولا غرابة في ذلك فالتكوين النفسي والعقلي والجسدي للإنسان بينه العليم القدير بقوله: «وخلق الإنسان ضعيفا» فهو ضعيف من جميع الوجوه، ضعيف البنية، وضعيف الإرادة، وضعيف العزيمة، وضعيف العقل، وضعيف العلم، وضعيف الصبر.

ومع هذا كله فمما يميز المؤمن ويدل على رجاحة عقله وإذعانه لربه رجوعه إلى الصواب، وتركه ما يتبين له فيه خطؤه وما يعاب، فهو لا يستنكف أن يعود عن قوله أو فعله أو رأيه متى وجد الحق في غير ما ذهب إليه، ولم يستمر فيما كان عليه، وهو لا يكترث بمن يصفه بالتقلب أو تغير الرأي وقال: الرجوع إلى الحق فضيلة، وهو عزة النفس الحقيقية، لا كما يزين الشيطان لبعض الناس أن العزة في الثبات على الرأي وإن كان خطأ.

هذه فرصة لنا أن نراجع أعمالنا بين الفينة والأخرى، فمتى ما وقع المرء في الزلة، سارع بالأوبة، وبادر في طلب التوبة؛ لأنه ينشد الحق ويبتغيه، ويسعى في تحقيق أمر ربه ومرضاته، ومن فعل ذلك فهو داخل في وصف الخيرية، الذي ذكره خير البرية، عليه الصلاة والسلام بقوله (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).

إن منهج الإسلام يعلمنا كيف يوطن المرء نفسه على الرجوع إلى الجادة ويرتاضها على لزوم الاستقامة، حيث توعد النبي صلى الله عليه وسلم بالويل الذين يستمعون القول الحق، فلا يتبعون أحسنه.

إن النفوس الكبار لا تأنف أن تنصاع للحق ولا ترضى أن تبقى على الخطأ ولا تمنعها مكانتها من أن تفيء إلى أمر الله، فالأولى بالمسلم أن يتراجع عن عزمه في فعل شيء أو عدم فعله إذا رأى المصلحة في غير ما ذهب إليه».

فيصل غزاوي - المسجد الحرام

فضل البشارة

«إن دين الإسلام دين الفطرة يدعو إلى حسن المعتقد وجمال الأخلاق ومحامد الصفات، يلامس طباع الإنسان ويفرحه في حاله ويحثه على التفاؤل بمآل وبشارة الخلق بما يسرهم عبادة لله وقربة مستشهدا بقوله تعالى «وبشِر المؤمنين».

إنه لعظيم منزلة البشارة في النفوس فقد أتت الملائكة بها، قال تعالى «ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى»، وإن من مقاصد إرسال الرسل البشارة لعباد الله المؤمنين.

إن في دين الإسلام بشارات متتابعة لأهله، وأعظم البشرى هي لمن حقق التوحيد لرب العالمين، قال عز وجل «والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى».

إذا استقام العبد على طاعة الله وتوحيده فله بشرى عند الله، ومن لقي الله لا يشرك به شيئا فبشارته الجنة، إذ قال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: (بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة) متفق عليه، ومن اتبع القرآن والسنة بشره الله بالمغفرة والأجر العظيم، قال تعالى «إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم».

المسلم الخاضع لربه المستسلم لأمره المتواضع لخلقه ينال البشارة، والإحسان مع الله وخلقه عاقبته خير في الدنيا والآخرة، ومن فضائل الله على عباده بشارتهم بما وعدهم الله به من الجنة وجميع ما يتمنونه فيها.

إن البشارات تتوالى في الحياة وبعد الممات، وفي ذلك تقول الملائكة: (اخرجي أيتها النفس الطيبة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، ثم يعرج بها إلى السماء، فيفتح لها، فيقال من هذا؟ فيقولون فلان، فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، ولا يزال يقال لها ذلك، حتى ينتهى بها في السماء التي فيها الله عز وجل) رواه أحمد».

عبدالمحسن القاسم - المسجد النبوي