ما الذي يجعل المدن أكثر قابلية للعيش؟
السبت / 13 / جمادى الأولى / 1440 هـ - 21:30 - السبت 19 يناير 2019 21:30
في المقال السابق تحدثت عن مستوى قابلية العيش في المدن Livability باعتبارها قابلة للقياس لأنها تتضمن معايير موضوعية، وتحدثت عن أهم العوامل التي تؤثر فيها. واليوم سأتحدث عن عوامل أخرى لا تقل أهمية:
- التخطيط المناطقي Regional Planning:
يهدف إلى مواءمة الخطط للاحتياجات المحلية لكل منطقة، وأفضل تمثيل لذلك قرار مجلس الوزراء رقم 475 وتاريخ 7 /9 /1439 الذي يهدف إلى تنظيم هيئات تطوير المناطق، والمدن لكي تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وترتبط تنظيميا برئيس مجلس الوزراء، وتهدف أيضا إلى التخطيط والتطوير الشامل للمنطقة في المجالات العمرانية، والسكانية، والاقتصادية، والتنموية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والنقل، والبنية الأساسية، والبنية التحتية الرقمية، ولتوفير احتياجات المنطقة من الخدمات والمرافق العامة وتتولى رسم السياسات العامة لتطوير المنطقة وتنميتها، وهذا متوافق جدا مع أحد أهداف الخطة الخمسية التاسعة التي تهدف إلى تقليل التخطيط المركزي، ولكن ضمن إشراف ورقابة الوزارات المعنية، وهذا يعطي مجالا واسعا للمشاركة الاجتماعية الإيجابية في تطوير المنطقة في التخطيط واستثمار المميزات التنافسية لكل منطقة.
- التشجير Trees-Planting:
كل دولار ينفق على التشجير يعود 4 دولارات على المجتمع على شكل فوائد متعددة (www.treesforever.org, 2014) هذا لا يبدو مفاجئا لأن اختيار الشجر المناسب في المكان المناسب يشكل ركيزة مهمة في تطور البيئة الحضرية. التشجير يقلل تلوث الهواء وظله يخفض درجة حرارة سطح الممرات والشوارع بواقع 15 درجة مئوية، ويخفض حرارة تيار الهواء بواقع 5 درجات مئوية، ويقلل انجراف التربة في الأماكن المفتوحة ويقلل جريان مياه الأمطار. وجود الأشجار بكثافة في المتنزهات والساحات العامة يقلل الضغوط النفسية ويصفي الذهن. الأشجار على حافة أرصفة المشاة توفر حماية لهم فهي تعمل كسياج بين رصيف المشاة والشارع، كما أنها تحدد معالم الشارع في مجال رؤية السائق، وهي عامل مهم يجعل قائدي المركبات يقللون السرعة تلقائيا. في العقود الماضية تعاملت البلديات بشكل سيئ مع التشجير المناسب والمفيد للبيئة، واستبدلت ذلك بالنخيل قليل الفائدة الحضرية، كما أنه في الغالب وضع في المكان غير المناسب. بلدية مدينة قرطبة الإسبانية زرعت أشجار البرتقال والليمون في شوارع المدينة قليلة السيارات، والمحصول يوزع على منتجي المربيات ضمن برنامج تحفيزي للإنتاج المنزلي.
- مناطق خالية من السيارات Car-Free Zone:
نزور لندن وروما ولوزان وجنيف وستوكهولم وغيرها ونكتشف أننا نقضي معظم الوقت وسط المدينة وليس في أطرافها، ونحس أننا نقضي أوقاتا جيدة ونكتسب تجارب ممتعة ومفيدة. لعلنا اليوم نوضح أهم عامل أدى لذلك. في 2003 بدأت لندن إغلاق وسط المدينة أمام السيارات من الساعة 7 صباحا إلى 6 مساء من الإثنين إلى الجمعة Congestion Charge Zone ويلزم لكل سائق دفع 11.5 جنيها للدخول، ويقدم خصم 90% للسكان داخلها. جمعت لندن حتى 2018 نحو 2.5 مليار جنيه، أعيد استخدامها في تحسين أنماط النقل العام وممرات المشاة والساحات والخدمات العامة، والنتيجة أن السياح والسكان صاروا يتنقلون ويعيشون في منطقة تطغى عليها أصوات الدراجات وأحاديث الناس في المقاهي وضحكات الأطفال وتمايل الأشجار أكثر من أصوات منبهات ومحركات السيارات، وارتفعت كل معايير قابلية العيش في المنطقة. ذلك النموذج نراه في مدن أوروبية عدة، ويمكن أن نراه في مدن مثل وسط أبها والمدينة المنورة وخميس مشيط ومكة والخبر إذا اكتملت العناصر المكونة له مثل بدائل النقل وغيرها. وعلى البلديات التوقف عن زيادة كل عوامل ترسيخ الاعتماد الكلي على السيارات في التنقل حتى تتوقف معظم المشاكل الحضرية. توسيع الطرق والشوارع للتعامل مع الازدحام المروري مثل توسيع الملابس لعلاج السمنة (لويس موتفورد، 1955).
- تطوير النمط التقليدي Traditional Architecture Development:
قبل عقود كنا نرى أي منزل أو مبنى ونعرف مباشرة لأي منطقة ينتمي، فالنمط المعماري الحجازي له سمات مختلفة عن النمط النجدي، ومختلف عن النمط الجنوبي، وكذلك عن النمط الأحسائي. وعندما تتعمق أكثر في كل منطقة ستجد أن النمط المعماري يختلف أيضا، فالنمط الجنوبي الجبلي مختلف عن النمط المعماري وسط الأودية، ومختلف عن نمط سفوح مرتفعات السروات. أين اختفى ذلك التمايز والتنوع؟ النمط المعماري في قبرص متمايز كليا عن وسط روما، ومختلف تماما عن وسط إسطنبول وعن روتيردام.
كان الأجدى بنا تطوير تلك الأنماط بدلا من إلغائها كليا ونسخ تجربة وحيدة في كل المدن. اليوم نرى صورة منزل فلا نعرف أين يمكن أن يكون! هناك مصطلح متداول في الأوساط العمرانية والمعمارية يسمى التصالح مع القديم، أي إنه ليس بالضرورة أن كل قديم سيئ، بل يمكن تطويره ليكون محافظا على سماته الأصلية وفعالا وذا كفاءة ليقدم وظائف حضرية معاصرة.
- التخطيط المناطقي Regional Planning:
يهدف إلى مواءمة الخطط للاحتياجات المحلية لكل منطقة، وأفضل تمثيل لذلك قرار مجلس الوزراء رقم 475 وتاريخ 7 /9 /1439 الذي يهدف إلى تنظيم هيئات تطوير المناطق، والمدن لكي تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وترتبط تنظيميا برئيس مجلس الوزراء، وتهدف أيضا إلى التخطيط والتطوير الشامل للمنطقة في المجالات العمرانية، والسكانية، والاقتصادية، والتنموية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والنقل، والبنية الأساسية، والبنية التحتية الرقمية، ولتوفير احتياجات المنطقة من الخدمات والمرافق العامة وتتولى رسم السياسات العامة لتطوير المنطقة وتنميتها، وهذا متوافق جدا مع أحد أهداف الخطة الخمسية التاسعة التي تهدف إلى تقليل التخطيط المركزي، ولكن ضمن إشراف ورقابة الوزارات المعنية، وهذا يعطي مجالا واسعا للمشاركة الاجتماعية الإيجابية في تطوير المنطقة في التخطيط واستثمار المميزات التنافسية لكل منطقة.
- التشجير Trees-Planting:
كل دولار ينفق على التشجير يعود 4 دولارات على المجتمع على شكل فوائد متعددة (www.treesforever.org, 2014) هذا لا يبدو مفاجئا لأن اختيار الشجر المناسب في المكان المناسب يشكل ركيزة مهمة في تطور البيئة الحضرية. التشجير يقلل تلوث الهواء وظله يخفض درجة حرارة سطح الممرات والشوارع بواقع 15 درجة مئوية، ويخفض حرارة تيار الهواء بواقع 5 درجات مئوية، ويقلل انجراف التربة في الأماكن المفتوحة ويقلل جريان مياه الأمطار. وجود الأشجار بكثافة في المتنزهات والساحات العامة يقلل الضغوط النفسية ويصفي الذهن. الأشجار على حافة أرصفة المشاة توفر حماية لهم فهي تعمل كسياج بين رصيف المشاة والشارع، كما أنها تحدد معالم الشارع في مجال رؤية السائق، وهي عامل مهم يجعل قائدي المركبات يقللون السرعة تلقائيا. في العقود الماضية تعاملت البلديات بشكل سيئ مع التشجير المناسب والمفيد للبيئة، واستبدلت ذلك بالنخيل قليل الفائدة الحضرية، كما أنه في الغالب وضع في المكان غير المناسب. بلدية مدينة قرطبة الإسبانية زرعت أشجار البرتقال والليمون في شوارع المدينة قليلة السيارات، والمحصول يوزع على منتجي المربيات ضمن برنامج تحفيزي للإنتاج المنزلي.
- مناطق خالية من السيارات Car-Free Zone:
نزور لندن وروما ولوزان وجنيف وستوكهولم وغيرها ونكتشف أننا نقضي معظم الوقت وسط المدينة وليس في أطرافها، ونحس أننا نقضي أوقاتا جيدة ونكتسب تجارب ممتعة ومفيدة. لعلنا اليوم نوضح أهم عامل أدى لذلك. في 2003 بدأت لندن إغلاق وسط المدينة أمام السيارات من الساعة 7 صباحا إلى 6 مساء من الإثنين إلى الجمعة Congestion Charge Zone ويلزم لكل سائق دفع 11.5 جنيها للدخول، ويقدم خصم 90% للسكان داخلها. جمعت لندن حتى 2018 نحو 2.5 مليار جنيه، أعيد استخدامها في تحسين أنماط النقل العام وممرات المشاة والساحات والخدمات العامة، والنتيجة أن السياح والسكان صاروا يتنقلون ويعيشون في منطقة تطغى عليها أصوات الدراجات وأحاديث الناس في المقاهي وضحكات الأطفال وتمايل الأشجار أكثر من أصوات منبهات ومحركات السيارات، وارتفعت كل معايير قابلية العيش في المنطقة. ذلك النموذج نراه في مدن أوروبية عدة، ويمكن أن نراه في مدن مثل وسط أبها والمدينة المنورة وخميس مشيط ومكة والخبر إذا اكتملت العناصر المكونة له مثل بدائل النقل وغيرها. وعلى البلديات التوقف عن زيادة كل عوامل ترسيخ الاعتماد الكلي على السيارات في التنقل حتى تتوقف معظم المشاكل الحضرية. توسيع الطرق والشوارع للتعامل مع الازدحام المروري مثل توسيع الملابس لعلاج السمنة (لويس موتفورد، 1955).
- تطوير النمط التقليدي Traditional Architecture Development:
قبل عقود كنا نرى أي منزل أو مبنى ونعرف مباشرة لأي منطقة ينتمي، فالنمط المعماري الحجازي له سمات مختلفة عن النمط النجدي، ومختلف عن النمط الجنوبي، وكذلك عن النمط الأحسائي. وعندما تتعمق أكثر في كل منطقة ستجد أن النمط المعماري يختلف أيضا، فالنمط الجنوبي الجبلي مختلف عن النمط المعماري وسط الأودية، ومختلف عن نمط سفوح مرتفعات السروات. أين اختفى ذلك التمايز والتنوع؟ النمط المعماري في قبرص متمايز كليا عن وسط روما، ومختلف تماما عن وسط إسطنبول وعن روتيردام.
كان الأجدى بنا تطوير تلك الأنماط بدلا من إلغائها كليا ونسخ تجربة وحيدة في كل المدن. اليوم نرى صورة منزل فلا نعرف أين يمكن أن يكون! هناك مصطلح متداول في الأوساط العمرانية والمعمارية يسمى التصالح مع القديم، أي إنه ليس بالضرورة أن كل قديم سيئ، بل يمكن تطويره ليكون محافظا على سماته الأصلية وفعالا وذا كفاءة ليقدم وظائف حضرية معاصرة.